قال أبو عمرو: وهذا إسنادٌ لم يتأمله متأملٌ إلا شهد له بالاتصال والسند؛ لأن سماع عبد الرزاق من الثوري مشهورٌ، واشتهاره به معروف، وكذا ذكر سماع الثوري من أبي إسحاق واشتهاره به أيضًا /11ب/ مشهورٌ معروفٌ، وفيه انقطاع في موضعين:
وذلك أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجَنديّ عن سفيان
وسفيان لم يسمعه من أبي إسحاق، وإنما سمعه من شريك، عن أبي إسحاق.
وكذلك كل راوٍ مشهورٍ بالرواية عن إمام من الأئمة معروفٍ به، إذا ورد عنه مثل هذا مفسرًا، سبيله سبيل هذا الخبر في تسميته منقطعًا، وهذا من أدق أنواع هذا العلم إذ لا يعرفه إلا المميز الماهر الجامع لطرق الحديث. وبالله التوفيق
باب ذكر أحوال المدلسين من أصحاب الحديث وتقسيم طبقاتهم وشرح مذاهبهم
حدثنا عبد الوهاب بن أحمد بن الحسن، قال: حدثنا ابن الأعرابي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مرزوق البزوري قال: حدثنا أبو نعيم، قال: سمعت شعبة يقول: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس.
أخبرنا سلمون بن داود المقرئ، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصواف، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا روح بن عبد المؤمن، قال: سمعت يزيد بن زريع، يقول: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أدلس.
حدثنا أبو عفان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا أحمد بن محمد الصفار، قال: سمعت يزيد بن زريع، وسئل عن التدليس. فقال: التدليس كذبة.
قال أبو عمرو: والتدليس في الحديث يرد على /12أ/ ستة أضرب:
فالضرب الأول: أن يدلس الراوي عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه غير أنهم لم يخرجوا من جملة من يُقبل خبره، ويحتج بنقله
فمنهم من التابعين:
أبو سفيان طلحة بن نافع، وقتادة وغيرهما
والضرب الثاني: قومٌ يدلسون الحديث عمن سمعوا منه وشاهدوه، فيقولون: قال فلان كذا، ولم يسمعوا منه، فإذا وقع إليهم مميز لما سمعوا مما لم يسمعوا أو سئلوا أو وُقفوا على سماعهم وروجعوا في ذلك ذكروا فيه سماعاتهم وكشفوا عن ذلك
أخبرني أبو محمد عبد الملك بن الحسن في الإجازة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الناقد، قال: أخبرني محمد بن أحمد الذهلي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد السكري، قال: حدثنا علي بن خشرم، قال: قال لنا ابن عيينة: الزهري. فقيل له: سمعته من الزهري؟ قال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.
حدثنا عبد الوهاب بن أحمد بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأعرابي، قال: حدثنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، قال النبي صلى الله عليه وسلم ... وذكر حديثًا. فقال له رجل: يا أبا محمد سماعًا من عمرو؟ قال: لا تفسدوه. قال: سماعًا من عمرو؟. قال: ابن جريج، عن عمرو. وقال: يا أبا محمد /12ب/ سماعًا من ابن جريج؟. قال: أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج. قال: يا أبا محمد، سماعًا من أبي عاصم؟ قال: قد أفسدته، حدثنيه علي بن المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج.
أخبرني سلمة بن سعيد الإمام فيما أذن لي في روايته، قال: حدثنا بندر بن عطاف، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن قاسم، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن خيرون القروي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي، قال: سمعت أبا عبد الله ابن حنبل يقول: قدمنا إلى مكة إلى ابن عيينة، وكان يحدث عن الزهري في الموسم لاجتماع الناس، فلما أن قعدنا إليه، قال: حدثنا الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، فلما أن انقضى الحديث استأنف، فقال: الزهري، عن سالم، عن أبيه. فقام يحيى بن معين، فقال: سألتك بالله أبا محمد مَنْ دون الزهري؟ فقال: أوليس في الزهري من مقنع؟. قال: بلى، ثم قال: اقعد. فقعد. فقال: اكتبوا: معمر عن الزهري. فوقف يحيى بن معين، فقال: سألتك بالله يا أبا محمد من دون معمر؟ قال: أوليس في معمر من مقنع؟ قال: اقعد. فقال: اكتبوا، ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري. فقام ابن معين، فقال: سألتك بالله أبا محمد من دون ابن المبارك؟. فقال بعض أصحابنا اكتبوا لا بارك الله لكم. قال ابن حنبل: فعلمتُ أنه أفهمُنا.
¥