تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما قال بعض الصحابة لما سألوا عن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في السر فكأنهم تقالوه: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها فقال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا فلا أنام على فراش وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني فبين عليه الصلاة والسلام أنه أخشى الناس صلى الله عليه وسلم، وأنه أتقى الناس لله وأعلمهم بما يتقى عليه الصلاة والسلام وهكذا الرسل قبله هم أعلم الناس بالله وأتقاهم لله ثم يليهم العلماء على مراتبهم، ولكن لا يلزم من كمال خشية الله والخوف منه أن يكونوا معصومين من الخطأ بل كل عالم قد يخطئ فمتى بان له الحق رجع إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فعلى طالب العلم أن يتحرى الحق بدليله ويجتهد في ذلك ويسأل ربه التوفيق والإعانة ويخلص النية فإن أخطأ مع ذلك فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالخشية لله تقتضي الوقوف عند حدود الله والسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا زاد على ذلك صار تنطعا وغلوا لا يجوز، فالعالم هو الذي يقف عند حدود الله في الإباحة والمنع وفي العمل والترك، لكنه مع ذلك يكون شديد الحذر أن يقول على الله بغير علم أو يعمل بخلاف ما علم، فيشابه اليهود في ذلك، وقد ذكر الله سبحانه عن بعض أهل الكتاب العاملين الأتقياء خصالا حميدة تذكيرا لنا بذلك فقال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ففي التاريخ والقصص عبر كما قال عز وجل. وقال سبحانه: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ

وهذا نموذج من أعمالهم الطيبة، وهذه الصفات الحميدة ذكرها الله سبحانه عنهم لنقتدي بهم فيها ولنسلك هذا المسلك ونتأسى بأهل الخير وهكذا في آخر سورة آل عمران يقول جل وعلا: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فهذه الخصال الحميدة التي أخذ بها خيار أهل الكتاب ومن هداهم الله من علمائهم، إيمان بالله، خشوع وخضوع لله وطاعة لله سبحانه، وذل بين يديه سبحانه وتعالى، ثم مع ذلك لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ولا يجحدون الحق ولا يكتمونه كما فعل علماؤهم الضالون، كتموا سيرة محمد عليه الصلاة والسلام وكتموا كثيرا من الحق من أجل حظهم العاجل وما أرادوا من متاع الدنيا،

أما أهل العلم والإيمان من الأولين والآخرين أهل الخوف من الله فإنهم ينطقون بالحق ويصرحون به ولا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا بل أن من أعمالهم العظيمة بيان الحق والدلالة عليه والدعوة إليه والتحذير من الباطل والترهيب منه يرجون ثواب الله ويخشون- عقابه سبحانه وتعالى، وقال عز وجل: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وبين سبحانه في هاتين الآيتين أنه لا يستوي من يعلم الحق المنزل من عند ربنا- وهو الهدى والصلاح والإصلاح لا يستوى هؤلاء- مع من هو أعمى لا يعرف الحق ولا يهتدي إليه لفساد تصوره وانحراف قلبه وفساد لبه، لا يستوى هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير