ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن "آسية بنت جار الله بن صالح"، و"كمالية بنت محمد الهاشمية" و "أم هانئ بنت أبي الحسن الهرويني"، و"أم الفضل بنت محمد المقدسي" وغيرهن كثير.
يقول السيوطي رحمه الله فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضيّ زمانه الشيخ شهاب الدين الشار مساحي الذي كان يقال: إنه بلغ السنّ العالية، وجاوز المائة بكثير- والله أعلم بذلك - قرأت عليه في شرحه على المجموع.
وأجِزْت بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين، وقد ألفت في هذه السنة، فكان أول شيء ألفته شرح الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البُلقيني، فكتب عليه تقريظاً، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولدَه، فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من الزكاة، وقطعة من ألروضة، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي، ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها.
وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وحضر تصديري، فلما توفي لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي، فقرأت عليه قطعة من المنهاج، وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني، وسمعت دروساً من شرح البهجة ومن حاشيته عليها ومن تفسير البيضاوي.
ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، فواظبته أربع سنين، وكتب لي تقريظاً على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد ليِ غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه، ورجع إلى قولي مجرِّداَ في حديث، فإنه أورد في حاشيته على الشفاء حديث أبي الجمرا في الإسراء، وعزاه إلى تخريج ابن ماجة، فاحتجت إلى إيراده بسنده، فكشفت ابن ماجة، في. مظنته فلم أجده، فمررت على الكتاب كله فلم أجده، فاتهمت نظري، فمررت مرة ثانية فلم أجده، فعدت ثالثة فلم أجده، ورأيته في معجم الصحابة لابن قانع، فجئت إلى الشيخ فأخبرته، فمجرد ما سمع مني ذلك أخذ نسخته وأخذ القلم فضرب على لفظ "ابن ماجة" وألحق "أبن قانع " في الحاشية، فأعظمت ذلك وهبته لعظم منزلة الشيخ في قلبي واحتقاري في نفسي، فقلت: إلا تصبرون لعلكم تراجعون! فقال: إنما قلدت في قولي "ابن ماجة" البرهان الحلبي. ولم أنفكّ عن الشيخ إلى أن مات.
ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود محي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك. وكتب لي إجازة عظيمة.
وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروساً عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشيته عليه وتلخيص المفتاح والعَضد. وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي ثلاثمائة كتاب، سوى ما غسلته ورجعت عنه. تلاميذه:
وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم "شمس الدين الداودي" صاحب كتاب "طبقات المفسرين" الذي كتبه بمساعدة أستاذه " السيوطي"، و"شمس الدين بن طولون"، و"شمس الدين الشامي" محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير "ابن إياس" صاحب كتاب "بدائع الزهور"رحلاته:
كانت الرحلات وما تزال طريقًا للتعلم، إلا أنها كانت فيما مضى من ألزم الطرق للعالم الذي يريد أن يتبحر في علمه، وكان السيوطي ممن سافر في رحلات علمية ليلتقي بكبار العلماء، فسافر إلى عدد من الأقاليم في مصر كالفيوم ودمياط والمحلة وغيرها، وسافر إلى الشام واليمن والهند والمغرب والتكرور (تشاد حاليًا) ورحل إلى الحجاز وجاور بها سنة كاملة، وشرب من ماء زمزم ليصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر العسقلاني.
ولما اكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء سنة [871 ه=1466م] وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق.
¥