المنهج التفصيلي للمؤلف:
أولا: أسماء السور وعدد الآيات والوقوف وبيان المناسبات:
لقد أفرد ابن عاشور المقدمة الثامنة من مقدماته وجعلها في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها.
ثم هو يتعرض أثناء التفسير لأسماء السور ومن ذلك في سورة الفاتحة إذ يقول: سورة الفاتحة من السور ذات الأسماء الكثيرة. أنهاها صاحب الإتقان إلى نيف وعشرين بين ألقاب وصفات وجرت على ألسنة القراء من عهد السلف، ولم يثبت في السنة الصحيحة والمأثور من أسمائها إلا فاتحة الكتاب، والسبع المثاني، وأم القرآن، أو أم الكتاب، فلنقتصر على بيان هذه الأسماء الثلاثة. ()
ومما قاله في تقديمه لكتابه: واهتممت أيضًا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض وبين أن البحث عن تناسب مواقع السور ليس حقًا على المفسر.
ويتعرض لمكية السور ومدنيتها وترتيب نزولها كما في الفاتحة والبقرة وغيرهما. ()
وفي ترتيب النزول جاء قوله:
تحير المفسرون في محل هاته الحروف الواقعة في أول هاته السور، وفي فواتح سور أخرى عدة جميعها تسع وعشرون سورة ومعظمها في السور المكية، وكان بعضها في ثاني سورة نزلت وهى ?ن والقلم? () وأخلق بها أن تكون مثار حيرة ومصدر أقوال متعددة وأبحاث كثيرة ().
وعند النظر لأول وهلة يتبين أن تحديد المصنف لتلك السورة بأنها ثاني سورة نزلت ليس بصحيح فإن أولى السور نزولا هي العلق ثم المدثر والخلاف محصور فيهما مع الفاتحة، فسورة ن هي الرابعة على أقل تقدير. ()
وهو يتعرض لعد الآي ومن ذلك قوله في سورة البقرة: وعدد آيها مائتان وخمس وثمانون آية عند أهل العدد بالمدينة ومكة والشام، وست وثمانون عند أهل العدد بالكوفة، وسبع وثمانون عند أهل العدد بالبصرة ().
وقد تعرض للخلاف في عد الفواتح. ()
ثانيا: موقفه من العقيدة:
وهو في العقيدة يسلك مسلك المؤولة:
يقول: فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشئ على مقدار عقائد أهلها في ما يجوز على الله ويستحيل، وكان أكثر الأمم مجسمة، ثم يجيء ذلك في لسان الشرائع تعبيرًا على المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن?ليس كمثله شيء ? () فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي: الرحمن الرحيم؛ لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة لأن ماعدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له، لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدًا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في المقصد الأسنى بقوله: الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرًا على قضائها لم يسم رحيمًا إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتبره من الرحمة والرقة ولكن ناقص.
وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله عن لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله، كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل، وكما نطلق الحي عليه تعالى مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون، ونطلق القدرة مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة، فوصفه تعالى بالرحمن الرحيم من المنقولات الشرعية فقد أثبت القرآن رحمة الله في قوله ?ورحمتي وسعت كل شيء ? () فهي منقولة في لسان الشرع إلى إرادة الله إيصال الإحسان إلى مخلوقاته في الحياة الدنيا وغالب الأسماء الحسنى من هذا القبيل. ()
¥