وقد اهتم بذلك ابن عاشور على الرغم من استنكاره على المفسرين الحشو والنقل غير الدقيق فحشا بها تفسيره ومن ذلك قوله:
قال ابن عرفة عند قوله تعالى: ?تولج الليل في النهار? () كان بعضهم يقول: إن القرآن يشتمل على ألفاظ يفهمها العوام وألفاظ يفهمها الخواص وعلى ما يفهمه الفريقان ومنه هذه الآية فإن الإيلاج يشمل الأيام التي لا يدركها إلا الخواص والفصول التي يدركها سائر العوام. أقول: وكذلك قوله تعالى:? أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما? ()
والدليل على إصراره على هذا الفهم المعكوس قوله:
وفي ذلك آية لخاصة العقلاء إذ يعلمون أسباب اختلاف الليل والنهار على الأرض وإنه من آثار دوران الأرض حول الشمس في كل يوم ولهذا جعلت الآية في اختلافهما وذلك يقتضي أن كلا منهما ... الخ ()
ويبدو أن جهلة القرن التاسع عشر عند ابن عاشور هم الخواص الذين خاطبهم القرآن وعلماء القرون المفضلة من الصحابة والتابعين هم العوام حشرنا الله معهم.
ويقول: وأعظم تلك الأسرار تكوينها على هيئة كرية. قال الفخر: كان عمر بن الحسام يقرأ كتاب المجسطي على عمر الأبهري فقال لهما بعض الفقهاء يومًا: ما الذي تقرأونه؟ فقال الأبهري أفسر قوله تعالى ?أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها? () فأنا أفسر كيفية بنائها. ولقد صدق الأبهري فيما قال فإن كل من كان أكثر توغلا في بحار المخلوقات كان أكثر علمًا بجلال الله تعالى وعظمته. ا.هـ ().
ويبدو أن النبي ? لم يطبق هذا الأمر من النظر إلى السماء كيف بناها الله كما أنه لم يعلم أعظم الأسرار التي لاتدخل جنة ولا تنجي من نار! وكذا صحبه الأخيار ثم علماء الأمة الأبرار حتى جاء هذا الذي لعله لايحسن وضوءه ليفسرها.
والنتيجة التي وصل إليها غير صحيحة فكم من عالم متوغل في بحار المخلوقات وهو من أعظم الناس جهلا بربه.
وقال: وأما وجه شبه السماء بالبناء فهو أن الكرة الهوائية جعلها الله حاجزة بين الكرة الأرضية وبين الكرة الأثيرية فهي كالبناء فيما يراد له البناء وهو الوقاية من الأضرار النازلة، فإن الكرة الهوائية بين الكرة ……الخ فأطال بما لايسمن ولايغني من جوع. ()
ثم وقع رحمه الله في طامة من الطامات التي يقع فيها غالبا المفتونون بتلك العلوم المقحمون لها في دبن الله عز وجل بغير ترو ولا بصيرة فقال:
والسماوات جمع سماء والسماء إذا أطلقت فالمراد بها الجو المرتفع وإذا جمعت فالمراد بها أجرام عظيمة ذات نظام عظيمة وهي السيارات العظيمة المعروفة والتي عرفت من بعد والتي ستعرف عطارد، والزهرة، والمريخ، والشمس، والمشتري، وزحل، وأروانوس، ونبتون. ولعلها هي السماوات السبع والعرش العظيم وهذا السر في جمع السماوات هنا وإفراد الأرض لأن الأرض عالم واحد في بعض الآيات فهو معنى طبقاتها أو أقسام سطحها. ()
السموات السبع والعرش العظيم؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم، ولا نقول إلا: لا حول ولا قوة إلا بالله!! فكيف نفهم إذن أحاديث المعراج المتواترة، وكيف نفهم أحاديث قبض الأرواح والأحاديث التي تتحدث عن خلق السموات؟ وماذا يقول مفسرنا لو عاش إلى يومنا هذا واكتشف أن هذه الأجرام التي فتنه العلم السطحي بها ليست إلا مجموعة من المجموعات الشمسية في مجرة رأس التبانة التي هي واحدة من ملايين المجرات التي تسيح في هذا الكون؟
ثم وقع رحمه الله في كلام غير علمي من ناحية العلوم الحديثة ليته لم يقحم نفسه فيه فيضحك علينا من ليس منا، قال:
والدم معروف مدلوله في اللغة وهو إفراز من المفرزات الناشئة عن الغذاء وبه الحياة وأصل خلقته في الجسد آت من انقلاب دم الحيض في رحم الحامل إلى جسد الجنين بواسطة المصران المتصل بين رحم وجسد الجنين وهو الذي يقطع حين الولادة، وتجدده في جسد الحيوان بعد بروزه من بطن أمه يكون من الأغذية بواسطة هضم الكبد للغذاء المنحدر إليها من المعدة بعد هضمه في المعدة، ويخرج من الكبد مع عرق فيها فيصعد إلى القلب الذي يدفعه إلى الشرايين وهي العروق الغليظة وإلى العروق الرقيقة بقوة حركة القلب بالفتح والإغلاق حركة ماكينيكية هوائية، ثم يدور الدم في العروق منتقلا من بعضها إلى بعض بواسطة حركات القلب وتنفس الرئة، وبذلك الدوران يسلم من التعفن فلذلك إذا تعطلت دورته حصة طويلة مات الحيوان. ()
¥