?الأمر الثاني: أن يحلق رأسه في غير النسك بحج أو عمرة، ولغير حاجة، وليس على سبيل التقرب و التدين، فهذا فيه قولان للعلماء:
القول الأول: الكراهية: وهو مذهب مالك وغيره ورواية عن أحمد رحمهم الله جميعا.
قال أحمد: (كانوا يكرهون ذلك)، وحجة من ذهب إلى هذا القول أن حلق الرأس شعار أهل البدع، فإن الخوارج كانوا يحلقون رؤوسهم وقد قال عنهم النبي?: " سيماهم التحليق"، كما أن بعض الخوارج كانوا يعدون حلق الرأس من تمام التوبة والنسك، وقد ثبت في (الصحيحين): (أن النبي? لما كان يقسم جاءه رجل عام الفتح كث اللحية محلوق)، وجاء في (مسند الإمام أحمد) ما روي عن النبي?:"ليس منا من حلق "، قال ابن عباس: (الذي يحلق رأسه في المصر شيطان).
القول الثاني: الإباحة: وهو المعروف عند أصحاب أبي حنيفة والشافعي، وهو رواية عن احمد أيضا، ودليلهم: ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي، بإسناد صحيح كما قال صاحب (منتقي الأخبار) عن ابن عمر (أن النبي ? رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: "احلقوا كله أو ذروه كله"، وأتي -?- بأولاد صغار بعد ثلاث فحلق رؤوسهم.
ولأنه نهى عن القزع، والقزع حلق البعض فدل على جواز حلق الجميع، قال الشوكاني رحمه الله تعالى (في نيل الأوطار) عند الكلام على الحديث الذي أورده صاحب (المنتقى): " وفيه دليل جواز حلق الرأس جميعه، قال الغزالي: (لا بأس به لمن أراد التنظيف، وفيه رد على من كرهه).
وجاء في (المغني): " قال حنبل: كنت أنا وأبي نحلق رؤوسنا في حياة أبي عبد الله فيرانا ونحن نحلق فلا ينهانا"، قال ابن عبد البر: "وقد اجمع العلماء على إباحة الحلق وكفى بهذا حجة.
أقول –وبالله التوفيق- هذا القول الثاني هو الذي ترجح عندي لصحة رواياته وصراحتها، والله أعلم.
أما منع المدرسة لعموم الطلاب باتخاذ شعر الرأس، فإن هذا الإجراء هو من سبيل سد الذرائع ودرء المفاسد، وذلك لما لاحظته المدرسة من أن طائفة ليست قليلة من الطلاب تتخذ الشعر ليس من أجل إتباع السنة، بل من أجل المحاكاة والمشابهة للمشاهير من الفنانين الماجنين والرياضيين، سواء كانوا مسلمين أو غيرهم، وذلك بعمل شعر الرأس على نمط يشابه رؤوس هؤلاء المشاهير تعبيرا عن حبهم والإعجاب بهم وبما هم عليه، كما أن ضرر هؤلاء الطلاب المقلدين لا يقتصر على أنفسهم فحسب، بل يمتد إلى زملائهم في المدرسة فيؤثرون فيهم بهذا السلوك المبهرج مما يفضي إلى انجراف ضعاف النفوس من الطلاب في زمرتهم خاصة وأنهم وفي هذا السن الذي يغلب فيه على صاحبه تقلب الأمزجة، وتعدد الرغبات، وسرعة التأثر، واتخاذ القرارات، فتجد أن الطالب في هذه السن يتأثر بزملائه في المدرسة أكثر من تأثره بدوافع مدرسية أو حتى والديه!! هذا والله أعلم.
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن تبع هداه.
أما بعد، فإني أؤيد أشد التأييد النص المذكور في ذيل الفتوى، لأنه مستند إلى قاعدة شرعية هامة، ألا وهي: (درء المفاسد قبل جلب المصالح)، فكيف إذا لم يكن هناك أية مصلحة سوى التشبه بالكفار أو الفساق، وقد قال النبي? في حديث صحيح: " ... ومن تشبه بقوم فهو منهم"، وفي معناه أحاديث كثيرة، في أبواب متنوعة في الشريعة، كنت ذكرت منها نحو أربعين حديثا في كتابي (حجاب المرأة المسلمة) الذي طبعته حديثا بعنوان (جلباب المرأة المسلمة) ولذلك، فإني أفتي دائما بأنه لا يجوز للشباب والطلاب أن يوفروا شعور رؤوسهم، وإنما عليهم الحلق أو التقصير، كما عليه عامة المسلمين، وبالله التوفيق.
وليس لأحد أن يقول اليوم بكراهة الحلق، لأنه لا دليل إلا أنه شعار الخوارج، وهم اليوم-ومنهم الإباضية-لا يلتزمون فيما أعلم، فإن وجدوا في بلد ما يلتزمون بهن فعلى أهل البلد مخالفتهم لما تقدم، وإلا فالأصل الإباحة، كما حديث ابن عمر الذي صححه في (المنتقى) وقد فاته أنه رواه مسلم أيضا، كما كنت خرجته في (الأحاديث الصحيحة).
¥