4 - أن الله أستبطأ المؤمنين في تحقيق هذا الوصف: فقال:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [16] {[سورة الحديد]. يقول شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله:' فدعاهم إلى خشوع القلب في ذكره وما نزل من كتابه، ونهاهم أن يكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وهؤلاء هم الذين} إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [2] {[سورة الأنفال]. وكذلك قال في الآية الأخرى:} اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [23] {[سورة الزمر] يقول: [والذين يخشون ربهم هم الذين إذا ذكر الله تعالى وجلت قلوبهم، فإن قيل: فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب؟ قيل: نعم ' [مجموع الفتاوى 7/ 28 - 30]. هذا ما يتعلق بأهمية الخشوع.
رابعاً: الخشوع في الكتاب والسنة:
تكرر الخشوع في كتاب الله عز وجل، وجاء في معان متعددة: منها الذل، وسكون الجوارح، والخوف، والتواضع، وهذه أربعة معان، ويمكن أن يضاف إليها معنى خامس: وهو الجمود واليبس:
فأما المعنى الأول: وهو مجيء الخشوع بمعنى الذل: فكما قال الله عز وجل:} وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [108] {[سورة طه] أي: ذلت، ويقول الله تعالى:} لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا [21] {[سورة الحشر] أي: ذليل، وقال:} وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ [2] {[سورة الغاشية].
وأما الخشوع بمعنى سكون الجوارح: فكما قال الله عز وجل:} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [2] {[سورة المؤمنون].
قال الحسن:' كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا لذلك الجناح'.
وقال مجاهد رضي الله عنه:' هو السكون'.
وجاء عن ابن عمر رضي الله عنه:' إذا قاموا في الصلاة أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم، وعلموا أن الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينًا وشمالًا'.
وقال ابن عباس في تفسيرها: ' أي خائفون ساكنون ' وبه قال طائفة من السلف كمجاهد، والحسن، وقتادة، والزهري، وإبراهيم النخعي.
وجاء عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: ' يعني متواضعين، لا يعرف من عن يمينه، ولا من عن شماله، ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل '. هذا معنى من قام لله خاشعًا:} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [2] {[سورة المؤمنون] فهو ساكن الجوارح، منكسر القلب لا يرفع بصره، ولا ينظر عن يمينه ولاعن شماله. وقد ذكر شيخ الإسلام في عدد من كتبه هذه المعاني [السابق 7/ 28 - 30، 22/ 553 - 557] وذكر غيرها:
كقول الضحاك:'الخشوع هو الرهبة لله عز وجل' أي: هذا الخشوع الذي ذكره الله جل جلاله.
ونقل عن أبي سنان أنه قال في هذه الآية:' الخشوع في القلب، وأن يلين كنفه للمرء المسلم، وألا تلتفت في صلاتك'. ونقل عن قتادة قال:'الخشوع في القلب، والخوف، وغض البصر في الصلاة] وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في معنى:} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [2] {[سورة المؤمنون]. يقول:' ومنه خشوع البصر وخفضه وسكونه، يعني أنه مضاد لتقليبه في الجهات، كقوله تعالى:} فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ [6] خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ [7] مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [8] {[سورة القمر].} خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ {أي: أنها ساكنة ذليلة، ثم ذكر الآية الأخرى وهي قوله تعالى:} يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [43] خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [44] {[سورة المعارج] وفي القراءة الأخرى:} خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ {يقول:'وفي هاتين الآيتين وصف أجسادهم بالحركة السريعة، حيث لم يصف بالخشوع إلا أبصارهم، بخلاف آية الصلاة وهي:} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [2] {[سورة المؤمنون]. فإنه وصف بالخشوع
¥