تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المحرم. والسابق بالخيرات: هو من جاء بالواجب، وفارق المحرم، مع مجانبته للمكروه، وفعله المستحبات، فالخشوع عمل من أعمال القلب التي تظهر على الوجه والجوارح. فالناس يتفاوتون فيه وهم فيه على هذه المراتب ... فالسابقون في هذا الباب هم أعلى المراتب، ثم يلي ذلك من هو مقتصد، ثم يلي ذلك الظالم لنفسه، والظالم لنفسه متوعد بالعقوبة ... وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بربه [مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا] رواه مسلم. والشاهد فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بربه من القلوب التي لا محل للخشوع فيها فدل على أن تحقيق الخشوع و تحصيله من الواجبات في الحد الذي لا يرخص للمكلف في تركه والتقصير فيه.

وهكذا أحوال العباد في صلاتهم من جهة الخشوع فهم على مراتب، وقد جعلهم ابن القيم –رحمة الله- في بعض كتبه على خمس مراتب:

الأول: الظالم لنفسه الذي تنقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها، ولا شك أن هذه الأمور تؤثر في خشوع العبد، بل إن الإمام يتأثر في خشوعه و إدراكه في صلاته بسبب إخلال بعض المأمومين في طهارتهم، أو في إقامة صلاتهم.

والثاني: رجل يحافظ على المواقيت والأركان الظاهرة والوضوء، ولكنه يضيع مجاهدة النفس في الوسوسة، فهذا مؤاخذ يأتي بالصلاة مستوفية للأركان والشروط، ولكنه في صلاته مستغرق في وساوسه، وأفكاره وخواطره، فهذا ليس له من صلاته إلا ماعقل، وغاية ما في الأمر أن تكون هذه الصلاة مجزئة، أي مسقطة للمطالبة، ولكنه قد لا يثاب عليها، أو أنه لا يثاب إلا على القدر الذي عقله فحسب.

وأما الثالث: وهو من حافظ على حدودها و أركانها، وجاهد نفسه بدفع الوساوس، فهذا مشغول بين صلاة وجهاد، يحاول أن يستحضر ويجاهد الخواطر، فهذا مأجور على مجاهدته، مأجور على صلاته، ولكنه ليس في المرتبة العالية. وأما الرابع: وهو فوقه، وهو من قام إليها، فأكمل حقوقها، و أركانها، واستغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه، فهذا لا تشغله الوساوس، ولا ينشغل بمجاهدة النفس، و إنما شغله في التكميل.

وأما الخامس: وهو أعلى هذه المراتب، وأرفع درجات الخاشعين في الصلاة، وهو إضافة إلى ما سبق من تحقيق الشروط والواجبات والأركان، وحضور القلب، إضافة إلى ذلك فإنه قد امتلأ قلبه محبة لله وعظمة، وإجلالاً له تعالى، يصلي كأن الله يراه، وكأنه يرى ربه جل جلاله؛ فتندفع عنه تلك الوساوس التي عند الآخرين والخطرات، ولا تأتي إليه أصلاً، ولا تجد طريقاً إلى قلبه.

فالأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفر عنه لمجاهدته، والرابع مثاب، والخامس قريب إلى ربه في أعلى المنازل والدرجات.

سابعاً: أنواع الخشوع:

الخشوع ليس له نوع واحد، وإن كان في صورته الظاهرة يخرج المرء، أو العبد مع غيره فيه بهيئة متحدة، إلا أن ذلك يفترق في حقيقة الأمر بسبب ما يقوم في القلب من الحقائق والدواعي، فهناك خشوع حقيقي، وهذا هو القسم الأول، وخشوع مزيف وهو خشوع النفاق، وهو خشوع الظاهر دون مواطئة الباطن، فالباطن الذي هو محل للخشوع أصلاً قد صار فارغاً من هذا الخشوع، فظهر ذلك مرتسماً على وجه صاحبه، وظاهراً على جوارحه، ولكن قلبه قد فرغ منه، وهذا لا فائدة فيه، وهو خشوع النفاق.

ومتى تكلف الإنسان تعاطي الخشوع في جوارحه و أطرافه مع فراغ قلبه منه فإن ذلك يكون من قبيل خشوع النفاق [انظر الخشوع في الصلاة لابن رجب] إلا في حالة واحدة: وهي أن يكون العبد يفعل ذلك من أجل الوصول إلى الخشوع، كصاحب المجاهدة الذي حدثتكم عنه، بشرط أن لا يظهر ذلك أمام الناس بحيث يكون الإنسان بعيداً عن نظر الناس لا يلتفت إليهم بقلبه، ولا يحضر مجامعهم بهذا الفعل الذي يتصنع فيه الخشوع، فهو يتظاهر، أو يتصنع، أو يحاول أن يبكي، وأن يخشع، وإن لم يكن قلبه خاشعاً من أجل أن يحصل الخشوع، فهذا لا يكون مذموماً. وأما المذموم أن يكون ذلك على سبيل النظر إلى الخلق، وتصنع الخشوع من أجل تحصيل محمدتهم. وقد كان جماعة من السلف يستعيذون من هذا النوع وهو خشوع النفاق ... وكان بعضهم يقول:' استعيذوا بالله من خشوع النفاق' فقيل له: وما خشوع النفاق .. ؟ فقال:' أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع' وكان الفضيل بن عياض رحمه الله وهو من كبار الخاشعين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير