تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا على بن حسين زين العابدين كان إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه ولا يخطر بها. يعني ما يقول بيده إذا مشى هكذا يُحركها، ولا يقول بها هكذا وهو يمشي كأنه قد زهى بنفسه، فهو يمشي بشيء من الإعجاب والغرور والتعاظم. و إنما صفة مشية المتواضع أن يجعل يديه إلى فخذيه دون أن يخطر بها هكذا، فإن هذا يذهب الوقار والخشوع: الحركة الكثيرة. وكذلك لا يجافي بين يديه وبين منكبيه وفخذيه، فيظهر بصورة المتعاظم المتكبر المتغطرس وهو يمشي هكذا وإنما يلصق يده بجنبيه وفخذيه ... هذا على بن حسين زين العابدين.

وكان إذا قام إلى الصلاة اضطرب وارتعد، فقيل له – سُئل عن هذا- فقال:' تدرون بين يدي من أقوم و أناجي؟ ' وكان إذا توضأ للصلاة؛ اصفر لونه من شدة الوجل والحياء، والخوف واستشعار عظمة الله، والنظر إليه، فيقدم على صلاةٍ يناجي فيها ربه، فيظهر ذلك صفرة في وجهه كمن أراد أن يلاقي عظيما من العظماء، فقد يظهر ذلك الوجل على قسمات وجهه، وعلى حركاته و سكناته، حتى أن بعضهم كان إذا قام إلى الصلاة ووقع ذباب على وجهه لا يقول بيده هكذا، ولا يحرك رأسه لطرد الذباب لغلبه الخشوع عليه، فهذا خلف بن أيوب كان لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة، فقيل له: كيف تصبر؟! قال:' بلغني أن الفساق يتصبرون تحت السياط ليقال: فلان صبور!! ' يعني الفساق إذا جلدوا وضربوا الحدود، أو إذا جلدوا تعزيراً، فإن الواحد منهم يتجلد لا يتحرك وهو يجلد ليظهر للآخرين أنه لا يبالي، ولربما فعل ذلك بعض الطلاب في المدارس إذا أراد المعلم أن يعاقب بعض الطلبة فلربما أظهر تجلداً فقال بيده هكذا ولم يحركها فربما ضُرب ضرباً يكسر العظم وهو لا يتحرك ليظهر التجلد. فهذا كان يستشعر هذا المعنى – وهو خلف أبن أيوب – فيقول: إذا كان هؤلاء يتجلدون للسياط، فكيف لا نتجلد أمام رب الأرباب، نتجلد عن دفع هذا الذباب يقول: أنا بين يدي ربي أفلا أصبر على ذباب يقع عليٌ؟!

أما الأمر الثاني مما يكسب الخشوع، و يؤثر الخشوع: فهو ترقب آفات النفس والعمل، ورؤية فضل كل ذي فضل: -وقد تحدثت عن هذا القضية قبل قليل ونقلت فيها كلام ابن القيم رحمه الله -ارجع إلى نفسك وانظر إلى عيوبها، فإن ذلك يورثك انكساراً، وأما إلى الخلق فلا تنظر إلى عيوبهم، بل انظر إلى محاسنهم، فيورثك ذلك شعورا بأنك أقل من هؤلاء جميعاً، وأنك المقصر المذنب، تحتاج إلى عفو ربك و مسامحته، وإلى التشمير بالتقرب منه وطاعته.

وأما الأمر الثالث: فهو معرفته الرب جل جلالة معرفة صحيحة تورث التعظيم: وقد أشرت إلى هذا قبل قليل وذكرت فيه كلاماً لبعض أهل العلم – وهو الحافظ ابن رجب رحمه الله - فالمقصود أيها الإخوان أن العبد كلما كان بالله أعرف كلما كان له أخوف، وكلما كان أكثر تعظيماً لله جل جلاله .. ولهذا قال الله تعالى:} إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ... [28] {[سورة فاطر] فإذا عرف العبد صفات الكمال التي اتصف الله بها، واستشعرها؛ فإنه ينكسر، ويخضع، ويتواضع، ويخشع قلبه أمام الله جل جلاله.

وأمر رابع نحتاج إليه في الصلاة لنستحضر الخشوع فيها وهو: أن تضع في قلبك إذا قمت إلى الصلاة وتهيأت لها أنها الصلاة الأخيرة: صل صلاة مودع، فقد لا تصلي بعدها، فإذا قيل للعبد هذه هي الصلاة الأخيرة، كيف يصلي؟ فإنه يفرغ قلبه من كل شاغل من شواغل الدنيا، ويحضر قلبه في هذه الصلاة، خطب علي ابن أرطاة على منبر المدائن فجعل يعظ الناس حتى بكي وأبكى، فقال: كونوا كرجل قال لابنه وهو يعظه:' يا بني أوصيك لا تصلي صلاة إلا وظننت أنك لا تصلي بعدها حتى تموت'.

وأمر خامس: أن تستشعر وتستحضر أنك على الصراط فوق جهنم: وكأنك تشاهد الجنة والنار أمام عينك، وكأنك قمت بين يدي الله عز وجل في موقف الحساب، كان بعض السلف إذا سمعوا الأذان تغيرت ألوانهم، وفاضت عيونهم، كانوا يرون أنه يذكرهم بالنداء يوم العرض الأكبر. كانوا يستشعرون هذه المعاني في كل شيء حولهم، إذا سمعوا المؤذن يؤذن فاضت أعينهم لأنه يذكرهم بالنداء في ذلك الموقف الرهيب. وهذا رجل من العلماء كان يخشع في صلاته فسُئل عن ذلك كيف يحصل لك هذا الخشوع العظيم؟ فقال:' أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، أظنها آخر صلاتي'.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير