تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الرجل من العلماء، العباد، وهو سعيد بن عبد العزيز كان يبكي إذا صلى، وكان إذا صلى على الحصير يسمع من بجانبه وقع الدموع على الحصير تتقاطر، وكان قد سُئل: ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة، قال: ' يا ابن أخي: وما سؤالك عن ذلك؟ ' فقال السائل: رجاء أن ينفعني الله بذلك. فقال:' ما قمت إلى صلاة إلا مُثلت لي جهنم'. كأنه يرى جهنم مسعرة، وأهلها يصطرخون فيها:} وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [37] {[سورة فاطر] .. فكان ذلك يورثه خشوعاً وبكاء في صلاته.

ومن استشعر هذه المعاني في الصلاة فإن ذلك لا يفترق بالنسبة إليه في صلاة نافلة، أو صلاة فريضة، كما لا يفترق بالنسبة إليه في الصلاة الجهرية، أو الصلاة السرية .. وأنت تعجب حين تسمع بعض الناس يستغربون ممن يخشع في الصلاة السرية كيف يخشع في الصلاة السرية؟ وكيف لا يخشع؟ وهو يقف بين يدي الله، ويستحضر الجنة والنار، وأن الله يراه وينظر إليه, ويناجيه؟ كيف لا يخشع؟ ولكن الغفلة التي غلبت على قلوبنا أورثتنا بعداً عن هذه المعاني. يقول بعض السلف:' لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته، فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام الذي يقوم فيه الناس لرب العلمين؛ فانخلع قلبه، وذهل عقله' تخيل هذا .. الناس في صفوفهم للصلاة يقفون صفوفاً فتذكر واستشعر الوقوف بين يدي الرب جل جلاله؛ فيخشع الإنسان، وينكسر قلبه، وكان منصور بن صفية يبكي في كل صلاة، وكانوا يرون أنه يذكر الموت والقيامة في صلاته فيبكي هذا البكاء.

الأمر السادس: فهو أن تفرغ قلبك لها، وأن تؤثرها على ما سواها مع مجانبة الصوارف و الشواغل التي تؤثر في القلب: وقد ذكر هذا المعنى الحافظ ابن كثير رحمه الله في [تفسيره 5/ 456] حيث قال: 'والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، حينئذ تكون راحة له وقرة عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ] ' وكان محمد بن المنكدر رحمه الله:' يقول أني لأدخل في الليل، فيهولني، فينقضي، وما قضيت منه أربي ' يقول: أدخل في الليل لأصلي صلاة الليل، فأشرع فيها، فينقضي الليل بأجمعه ولم أشبع، ولم أقض نهمة نفسي، وذلك لاستغراقه في هذه الصلاة، وقد قال سعد بن معاذ رضي الله عنه:' فيّ ثلاث خصال لو كنت في سائر الأحوال أكون فيهن لكنت أنا أنا: إذا كنت في الصلاة لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه، و إذا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع في قلبي ريب فيه، وإذا كنت في جنازة لا أحدث نفسي بغير ما تقول أو يقال لها'. يعني من الحساب.

وقد قالوا لعامر بن عبد القيس، أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال:' أو شيء أحب إلي من الصلاة أحدث به نفسي؟ ' قالوا: إنا لنحدث أنفسنا في الصلاة!! قال: أبالجنة والحور؟ قالوا: لا، بأهلينا وأموالنا. فقال:' لئن تختلف الأسنة فيّ أحب إلي' أي من أن أحدث نفسي، يعني بشيء من حطام الدنيا وأنا في هذه الصلاة!! وهذا عامر بن عبد القيس قيل له: أما تسهو في صلاتك؟ قال: أو حديث أحب إلى من القرآن أنشغل فيه؟ هيهات .. مناجاة الحبيب تستغرق الإحساس. بعضنا ربما يكون إماماً ويسجد للسهو في اليوم مراراً!! وقد اشتكى بعض الناس من إمام لهم يسهو في اليوم الواحد في ثلاثة فروض هذه التي يسجد فيها للسهو!! فأين القلب؟ هذا قلبه مشغول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير