تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فينبغي للعبد أن يفرغ قلبه .. فالمرأة- مثلاً- إذا جاءت إلى الصلاة لا تجعل شيئاً على النار تحتاج إلى مراقبته عن قريب، و إذا كان لديها طفل، فإنها تشغله في مكان آمن لئلا ينشغل قلبها عليه، ولا تحتاج أن تتجوز في صلاتها من أجل ملاحظة هذا الطفل، كما أنها لا تجعله بجانبها لكي لا يشوش عليها .. وكذلك من كان في انتظار مكالمة مهمة أو نحو ذلك، أو عنده بعض المكالمات، وهو يريد أن يصلي الليل مثلاً، أو يتطوع، فإنه ينتهي من هذه المكالمات، وهكذا في الفريضة يُبكر قبل الأذان، ويقضي حوائجه، ويفرغ من هذه الأمور المقلقة له، ثم يدخل في الصلاة وهو فارغ القلب لا يحدث نفسه بشيء سواها .. وهذا الحسن رحمه الله يقول: إذا قمت إلى الصلاة قانتاً فقم كما أمرك الله، و إياك والسهو والالتفات، إياك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، وتسأل ربك الجنة وتعوذ به من النار وقلبك ساه لا تدري ما تقول بلسانك، الله ينظر إليك، ولربما كنت تفكر في بعض الأمور المحرمة، ولربما نظر الله إليك وأنت تفكر في أمور حقيرة، فربما كان الواحد يصلح شيئاً تافهاً في بيته، لربما كان يصلح مسلاة لصبي، ثم يقوم يصلي وقلبه مشغول بإصلاحها، والله ينظر إليه ويطلع عليه، فهذا لا يليق في أي حال من الأحوال، فينبغي التفطن لهذه المعاني.

وللأسف نحن عندما كنا نعيش بعيدا عن هذه الأحوال أصبحنا نستغرب منها، ولقد حدثني جماعة من الناس عن رجل من المعاصرين- وهو من العوام وليس من طلبة العلم ولا من العلماء- أنه إذا قام يصلي فإن أهله أو من بجانبه يحتاجون إلى تنبيهه إذا قرب وقت الأذان من أجل أن يوجز في صلاته؛ لأنه يستغرق في صلاته، وينسى كل شيء. كان هذا الرجل يتطوع بعد صلاة العشاء في المسجد النبوي، وكان بعض الحراس يعرفونه، وهو رجل يسكن المدينة من عشرات السنين، فكان إذا قرب وقت إغلاق الأبواب بعد صلاة العشاء بمدة معلومة يأتون إليه قبل ذلك بنحو عشر دقائق وينبهونه من أجل أن يتفطن، من أجل أن يُجوٌز في صلاته. و امرأته كانت تأتيه قبيل الأذان الأول وهو يصلي فتنبهه من أجل أن يجوز فيخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تفتح أبوابه من الأذان الأول .. حدثني عن هذا بعض جيرانه، وبعض من عرفه منذ زمن طويل، وحدثني عن هذا ابنه بعد أن مات -رحمه الله -. هذا مثال واقعي ' رجل من العوام يحصل له هذا الاستغراق والخشوع '

والأمر السابع مما يورث الخشوع هو تدبر القرآن: يقول ابن جرير الطبري رحمه الله: عجبت لمن يقرأ القرآن ولا يعرف معانيه كيف يتلذذ بقراءته؟ وجرب هذا في نفسك، اقرأ تفسير بعض الآيات، ثم اسمعها في الصلاة كيف تجد الفرق؟ بل وربما تكلم الإمام أو تكلم غيره في صلاة التراويح عن تفسير بعض الآيات فإذا قرئت؛ رأيت فرقاً شاسعاً بينها وبين غيرها من الآيات التي لم تُفسر، وهذا شيء مشاهد. فمعرفة معاني القرآن تجعل القلب يستغرق في تدبره والتفكر في معانية، حتى أن القلب يخشع عند ذلك، بل لربما خشع الإنسان عند تسميع القرآن، يسمع لغيره قد لا يتحمل، وكان أبو بكر رضي الله عنه قريب الدمعة، كثير البكاء، لا يتمالك نفسه إذا صلى، ولذلك لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أن يصلى أبو بكر بالناس اعتذرت عنه عائشة رضي الله عنها بأنه رجل رقيق لا يتمالك إذا صلى وقرأ القرآن فإنه يبكي.

فأقول: معرفة معاني القرآن؛ طريق للتدبر. والتدبر طريق للفهم والاتعاظ والاعتبار والخشوع؛ لذلك كان السلف رضي الله عنهم يقرأ الواحد منهم آية واحدة، ويقوم يرددها إلى الفجر يبكي. هذا مالك بن دينار رحمه الله كان يقرأ قول الله عز وجل:} لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ... [21] {[سورة الحشر] ثم يقول: ' أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صُدع قلبه'. ويقول ابن مسعود: ' إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم' وهم الخوارج. هذه صفة قبيحة ينبغي للمؤمن أن يتباعد عنها لئلا يكون متصفاً بصفة هؤلاء الذين ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال أبو عمران الجوني رحمه الله:' والله لقد صرف إلينا ربنا في هذا القرآن ما لو صرف إلى الجبال لمحاها ' وكان الحسن يقول:' يا ابن أدم إذا وسوس لك الشيطان في خطيئة، أو حدثت بها نفسك فاذكر عند ذلك ما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير