تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حملك الله في كتابه مما لو حملته الجبال الرواسي لخشعت وتصدعت. أما سمعته يقول:} لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ... [21] {[سورة الحشر] '.

الأمر الثامن: مما يورث الخشوع: وهو ترك التكلف في كل شأن من الشؤون: ولذلك أقول: من الأحسن أن يصلي الإنسان في كل مكان لا يتكلف لأحد فيه، وأن يصلي في مكان لا يكون بجانبه أحد قد يجد نفسه تشده لأن يتكلف لهذا الإنسان، يجعل الله أمام ناظره ولا يلتفت. وهناك أمر يذهب الخشوع على الإمام، وعلى المأمومين، وهو التكلف في الدعاء، حينما يتكلف الإنسان أن يأتي بالدعاء على غير سجيته المعهودة فيه كما لو كان من عادة الإنسان أنه يلحن، فصار يحاول أن يأتي بالدعاء موزوناً معرباً، فإن ذلك يكون مدعاة لذهاب الخشوع وليس هذا دعوة للحن، و إنما أقول: ينبغي في الدعاء أن يحرص الإنسان أن يدعو على سجيته، ولهذا فإن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله لفت النظر إلى هذا المعنى, وكان يقول: إن الله يسمع دعاء الداعين سواء كان مسجوعاً، أو ملحوناً، سواء كان معرباً أو غير معرب بمعنى أنه إذا تكلف الإنسان السجع في الدعاء، فإن ذلك يذهب عليه الخشوع، وكذلك إذا كان العبد يتكلف الإعراب فيه، يعني أن يأتي به على وزان لغة العرب فإن ذلك يذهب الخشوع. يقول شيخ الإسلام: بل ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب، وقد قال بعض السلف إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع، يقول شيخ الإسلام: ' وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس به، فإن أصل الدعاء في القلب واللسان تابع للقلب '. فإذا كانت العناية بإصلاح اللسان فإن ذلك يؤثر في القلب ولا بد. يقول: ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه, ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه لا يحضره قبل ذلك، وهذا أمر يجده كل مؤمن في قلبه' ولهذا يقول شيخ الإسلام: أن الدعاء يجوز بالعربية وبغير العربية، والله يعلم مقصد الداعي ومراده وإن لم يُقوم لسانه، فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات ' [مجموع الفتاوى 22/ 488 - 489].

وهذا أمر مهم قل من يفطن له، بل حتى الموعظة إذا كان هم الملقي هو توقي اللحن في الخطبة، أو في الموعظة، أو في المحاضرة، فإن ذلك يؤثر في وقعها على القلوب، قد يكون الكلام الذي يقال في ذاته من الكلام المؤثر، ولكن لما كان شُغل الملقي بإصلاح لسانه وتقويمه مخافة اللحن- ولا شك أن اللحن قبيح فاللحن في الكلام كالجدري في الوجه- ولهذا السبب قل التأثير، وهذا شيء مشاهد، تسمع الناس يتأثرون كثيراً ببعض المواعظ والخطب، والمحاضرات ويبكون عند حضورها، ويتأثرون غاية التأثر، وإذا سمعتها تجد قلبك حاضراً، وقد يكون من الأسباب عدم تكلف صاحبه في إلقاء الكلام عند محاضرته، فتجد لحناً فجاً فاحشاً لا يستطيع أن يسمعه من أجاد العربية، بل ينفر من أول جملة يسمعها فيه، بينما تجد الآخرين الذين لا ينظرون إلى هذه الجوانب يستهويهم هذا الكلام، ويعجبهم ويتأثرون به غاية التأثر، ولربما تبرعوا بمئات الألوف من هذا الشريط الذي يسمعه الآخر الذي يعرف لحن الكلام، ولا يستطيع أن يواصل جملة واحدة فيه لركاكته وضعفه وكثرة اللحن فيه، بينما هؤلاء يتأثرون به ويعجبهم غاية الإعجاب، ما السبب في هذا؟ السبب هو أن هذا يتكلم من غير تكلف، ولم تكن عنايته بإصلاح منطقه ولسانه، و إنما كانت هذه المعاني في قلبه، فتكلم بكلمات صادقه من قلب خاشع؛ فأثر ذلك في سامعيه، والقلوب بينها إشارات وأمور لا يدركها حس الإنسان فالقلب يدرك بعض المعاني المعبرة عن الحب، وبعض المعاني المعبرة عن الانقباض، فتجد قلبه ينقبض لفلان وفلان ولا يلقاه إلا تكلفاً, كما أن القلب يتأثر حينما يسمع نصيحة يدرك أن هذا الكلام صدر من قلب مشفق، فيتأثر، وكذلك أيضاً تجد هذا الإنسان يتأثر بالموعظة إذا خرجت من قلب عامر بالخشوع والخضوع، وأما إذا كانت المواعظ تلقى على الناس من قلب صلب لا يتأثر أو يقرأ القرآن، صاحب قلب قاس، فأنى للناس أن يتأثروا؟ هذه الآية يقرؤها هذا الإمام، ويقرؤها آخر، هذا يتأثر ويتأثر من حوله، ومن يسمع قراءته غاية التأثر، والآخر يمر على مئات الآيات من أمثالها ولا يحرك فيه ساكناً، ولا يحرك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير