تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[سورة النساء] قَالَ: [أَمْسِكْ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ] رواه البخاري ومسلم. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: ' مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ... [16] {[سورة الحديد] إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ 'رواه مسلم. فأنت! كم يمضي عليك و أنت تسمع القرآن، وتشهد مع الناس الصلاة، وقلبك لا يتحرك؟!

وكان ابن عمر إذا تلا هذه الآية:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ... [16] {[سورة الحديد] قال:' بلى يارب 'ويبكي حتى تبل الدموع لحيته [الدر المنثور]. وقد قال القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ' كما كانت هذه الآية سبباً في توبة الفضيل بن عياض، وعبد الله بن مبارك، وقد سئل عبد الله بن مبارك عن بدء زهده و توبته فقال: كنت يوماً مع إخواني في بستان لنا وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه، فأكلنا وشربنا حتى الليل، ونمنا وكنت مولعاً بضرب العود والطبول، فقمت في بعض الليل، فضربت بصوت عال يقال له: راشين السحَر، وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة، والعود في يدي لا يجيبني إلى ما أريد فإذا به ينطق كما ينطق الإنسان يقول:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ... [16] {[سورة الحديد] فقلت: بلى والله. فكسرت العود وصرفت ما كان عندي من الناس والأصحاب، فكان هذا أول زهدي وتشميري. وأما الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق امرأة فواعدته ليلاً، فجاء يرتقي الجدران، وبينما هو يتسور ليصل إليها سمع قارئا يقرأ:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ... [16] {[سورة الحديد] فرجع وهو يقول: بلى والله قد آن. فأواه الليل إلى خربة وبها جماعة من السابلة من المسافرين وبعضهم يقول لبعض: إن فضيلاً يقطع الطريق، وهم لم يشعروا بمكانه، فقال: أوّاه، أراني بالليل أسعى في معاصي الله، وقوم من المسلمين يخافونني، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام. وفي بعض الروايات أنه قال: لهؤلاء القوم: أنا الفضيل جوزوا، يعني: امضوا في طريقكم وسفركم، والله لأجتهدن ألا أعصي الله أبداً، فرجع عن ذلك.

وأما ابن المبارك الذي عرفتم توبته فكان يوصف خشوعه بأوصاف عجيبة، كان إذا قرأ في كتابه الزهد والرقائق كأنه بقرة منحورة من كثرة البكاء، وكذا كان الفضيل في خشوعه. جاء ناس إلى الفضيل بن عياض، واستأذنوا عليه عند بابه، فلم يؤذن لهم، فقال قائل: إنه لا يخرج إليك إلا إذا سمع القرآن، فكان معهم رجل مؤذن حسن الصوت، فقال له اقرأ:} أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [1] {[سورة التكاثر] فقرأ ورفع بها صوته، فأشرف عليهم الفضيل، وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع، ومعه خرقه ينشف بها الدموع من عينيه ويقول:

بلغت الثمانين أو جُزتها فماذا أُؤمل أو أنتظر

أتاني ثمانون من مولدي وبعد الثمانين ما يُنتظر

علتني السنين فأبلينني

ثم انقطع وخنقته العبرة، فقال لهم رجل أنا أكمل لكم البيت:

علتني السنون فأبلينني فَرقت عظامي وكل البصر

:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ... [16] {[سورة الحديد] يقول الحسن البصري رحمه الله:'إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وأفضى يقينها إلى قلوبهم، وخشعت لله قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم، وكنت والله إذا رأيتهم رأيت قوماً كأنهم رأى عين- يعني: للجنة والنار- فوالله ما كانوا بأهل جدل ولا باطل، ولا اطمأنوا إلا إلى كتاب الله، وما أظهروا ما ليس في قلوبهم، ولكن جاءهم عن الله أمر؛ فصدقوا به، فنعتهم الله في القرآن بأحسن نعت فقال:} وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [63] {[سورة الفرقان]. قال: حلماء لا يجهلون، وإذا جُهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهاراً بما يسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل فقال:} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [64] {[سورة الفرقان] تجري دموعهم على خدودهم؛ خوفاً من ربهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير