وأما استدلالهم بما يتعلق به من كمال المهر، وتحريم المصاهرة، فغير صحيح، لأن ذلك يختص بمباح الوطء دون محظور، ألا تراه يتعلق بالوطء في الحيض، والإحرام والصيام، وإن كان محظوراً، فكذلك في هذا (1) 0
أما فيما يتعلق بدليل المعقول الذي أورده الإمام الشافعي في الحوار الذي جرى بينه وبين الإمام محمد بن الحسن، فهو غير مسلم به، إذ المقصود من الآية الوطء في الفرج وليس الاستمتاع، والوطء بين الساقين أو الفخذين، أو تحت الإبط لايعد وطءاً في الفرج، إنما هو استمتاع، ففرق بينهما 0 ثم لو كان الوطء في الدبر مباحاً لأرشد به النبي r الرجال عندما تكون الزوجة حائضاً كبديل مشروع للقبل 00 والله أعلم0
كما أنه 00 لا دليل لما ذهب إليه الإمامية على خلاف في مذهبهم من جواز الوطء في الدبر، بل هو مخالف للأدلة الشرعية والعقلية 0
وكذا ماذهب إليه بعض الإباضية من القول بالكراهة وعدم التحريم 0
¨ هل أفتى إمام دار الهجرة بالجواز، وكذلك الإمام الشافعي، وما صحة رواية ابن عمر؟:
يستند من يرى إباحة وطء المرأة في دبرها أو على الأقل من يرى أن المسألة خلافية بين أهل العلم يسوغ فيها الاجتهاد إلى أقوال مَنْ نُقِلَ عنهم الجواز وعلى رأسهم من الصحابة ابن عمر ومن العلماء الإمامان مالك والشافعي رحمهم الله جميعاً 0
¨ أما جواب مانقل عن ابن عمر فالآتي:
عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع، قال: قال لي ابن عمر: " أمسك علي المصحف يانافع، فقرأ حتى أتى على هذه الآية:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ [0 فقال: تدري يانافع فيمن أنزلت هذه الآية؟ قال: قلتُ: لا 0 قال: فقال: لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها 0 فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله تعالى:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ [الآية 0 قال نافع: فقُلت لابن عمر: من دبرها في قبلها قال: لا، إلا في دبرها " 0
(1) الحاوي الكبير، شرح مختصر المزني للماوردي: 9/ 320 0
وله طرق عن ابن عمر ومتابعة الرواة لنافع فيها (1) 0
قال الحافظ بن حجر في " الفتح " ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أو يرويها عنه زيد بن أسلم!! (2) 0
ورواها الإمام الطبري في " التفسير " بإسناد صحيح عنه (3) 0
أخرجها إسحاق بن راهويه في " التفسير " كما في " الدر المنثور " ـ 0 فالأثر ثابت وصحيح 0
غير أنه وردت رواية عن ابن عمر t تنص على القول بتحريم إتيان الدبر، وقد صح عنه t أنه أنكر ذلك فيما روى النسائي من رواية الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلتُ لابن عمر إنا نشتري الجواري فيحمض لهن، قال: وما التحميض؟ قال: إتيانهن في أدبارهن 0 فقال ابن عمر: أو يفعل هذا مسلم "؟ 0
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (5) بإسناد حسن، والدارمي في " السنن " (6) بإسناد حسن 0
قال الإمام الذهبي في " السير ": " وقد جاءت رواية أخرى عنه ـ أي عن نافع، عن ابن عمر ـ بتحريم أدبار النساء (7) 0
¨ كلام أهل العلم في التوفيق بين القولين:
ذهب بعض الفقهاء إلى أن ما ذهب إليه ابن عمر، إنما هو وهم في فهم الآية من أنها تدل على الإباحة 0
(1) التلخيص الحبير لابن حجر: 185/ 3 ـ 4 0
(2) فتح الباري: 8/ 190 0
(3) تفسير الطبري: 2/ 394 0
(4) 2/ 635 0
(5) 3/ 40 0
(6) 1/ 260 0
(7) 5/ 100 0
وإلى هذا ذهب ابن عباس t فقد روى أبو داود عن طريق محمد بن إسحاق عن ابن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: " إن ابن عمر والله يغفر له أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار ـ وهم أهل وثن ـ مع هذا الحي من يهود، وهم أهل الكتاب ـ وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم 0 وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرفٍ، وذلك أستر ماتكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً مبكراً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات، ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك 0 فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى سرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله ً، فأنزل الله عز وجل:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [0 أي
¥