وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَاشِرُ الْخَاتَمُ الَّذِي * * * حَوَى كُلَّ خَيْرٍ فِي عُمُومِ الرِّسَالَةِ
وَأَخْبَرَ عَنْ رَبِّ الْعِبَادِ بِأَنَّ مَنْ * * * غَدَا عَنْهُ فِي الْأُخْرَى بِأَقْبَحِ خَيْبَةِ
فهذي دِلَالَاتُ الْعِبَادِ لِحَائِرِ * * * وَأَمَّا هُدَاهُ فَهُوَ فِعْلُ الرُّبُوبِيَّةِ
وَفَقْدُ الْهُدَى عِنْدَ الْوَرَى لَا يُفِيدُ مَنْ * * * غَدَا عَنْهُ بَلْ يَجْرِي بِلَا وَجْهِ حُجَّةِ
وَحُجَّةُ مُحْتَجٍّ بِتَقْدِيرِ رَبِّهِ * * * تَزِيدُ عَذَابًا كَاحْتِجَاجِ مَرِيضَةِ
وَأَمَّا رِضَانَا بِالْقَضَاءِ فَإِنَّمَا * * * أُمِرْنَا بِأَنْ نَرْضَى بِمِثْلِ الْمُصِيبَةِ
كَسَقَمِ وَفَقْرٍ ثُمَّ ذُلٍّ وَغُرْبَةِ * * * وَمَا كَانَ مِنْ مُؤْذٍ بِدُونِ جَرِيمَةِ
فَأَمَّا الْأَفَاعِيلُ الَّتِي كُرِهَتْ لَنَا * * * فَلَا تُرْتَضَى مَسْخُوطَةً لِمَشِيئَةِ
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ لَا رِضًا * * * بِفِعْلِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ
وَقَالَ فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِقَضَائِهِ * * * وَلَا نَرْتَضِي الْمَقْضِيَّ أَقْبَحَ خَصْلَةِ
وَقَالَ فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِإِضَافَةِ * * * إلَيْهِ وَمَا فِينَا فَنُلْقِي بِسَخْطَةِ
كَمَا أَنَّهَا لِلرَّبِّ خَلْقٌ وَإِنَّهَا * * * لِمَخْلُوقِهِ لَيْسَتْ كَفِعْلِ الْغَرِيزَةِ
فَنَرْضَى مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ * * * وَنَسْخَطُ مِنْ وَجْهِ اكْتِسَابِ الْخَطِيئَةِ
وَمَعْصِيَةُ الْعَبْدِ الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ * * * لِمَا أَمَرَ الْمَوْلَى وَإِنْ بِمَشِيئَةِ
فَإِنَّ إلَهَ الْخَلْقِ حَقٌّ مَقَالُهُ * * * بِأَنَّ الْعِبَادَ فِي جَحِيمٍ وَجَنَّةِ
كَمَا أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ هَكَذَا * * * بَلْ الْبُهْمُ فِي الْآلَامِ أَيْضًا وَنِعْمَةِ
وَحِكْمَتُهُ الْعُلْيَا اقْتَضَتْ مَا اقْتَضَتْ مِنْ * * * الْفُرُوقِ بِعِلْمِ ثُمَّ أَيْدٍ وَرَحْمَةِ
يَسُوقُ أُولِي التَّعْذِيبِ بِالسَّبَبِ الَّذِي * * * يُقَدِّرُهُ نَحْوَ الْعَذَابِ بِعِزَّةِ
وَيَهْدِي أُولِي التَّنْعِيمِ نَحْوَ نَعِيمِهِمْ * * * بِأَعْمَالِ صِدْقٍ فِي رَجَاءٍ وَخَشْيَةِ
وَأَمْرُ إلَهِ الْخَلْقِ بَيِّنُ مَا بِهِ * * * يَسُوقُ أُولِي التَّنْعِيمِ نَحْوَ السَّعَادَةِ
فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ أَثَّرَتْ * * * أَوَامِرُهُ فِيهِ بِتَيْسِيرِ صَنْعَةِ
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ لَمْ يَنَلْ * * * بِأَمْرِ وَلَا نَهْيٍ بِتَقْدِيرِ شِقْوَةِ
وَلَا مَخْرَجٌ لِلْعَبْدِ عَمَّا بِهِ قُضِيَ * * * وَلَكِنَّهُ مُخْتَارُ حُسْنٍ وَسَوْأَةِ
فَلَيْسَ بِمَجْبُورِ عَدِيمِ الْإِرَادَةِ * * * وَلَكِنَّهُ شَاءَ بِخَلْقِ الْإِرَادَةِ
وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ خَلْقُ مَشِيئَةٍ * * * بِهَا صَارَ مُخْتَارَ الْهُدَى بِالضَّلَالَةِ
فَقَوْلُكَ: هَلْ اخْتَارَ تَرْكًا لِحِكْمَةِ؟ * * * كَقَوْلِكَ: هَلْ اخْتَارَ تَرْكَ الْمَشِيئَةِ؟
وَأَخْتَارُ أَنْ لَا اخْتَارَ فِعْلَ ضَلَالَةٍ * * * وَلَوْ نِلْتُ هَذَا التَّرْكَ فُزْتُ بِتَوْبَةِ
وَذَا مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ * * * عَلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ مِنْ ذِي الْمَشِيئَةِ
فَدُونَك فَافْهَمْ مَا بِهِ قَدْ أَجَبْت مِنْ * * * مَعَانٍ إذَا انْحَلَّتْ بِفَهْمِ غَرِيزَةٍ
أَشَارَتْ إلَى أَصْلٍ يُشِيرُ إلَى الْهُدَى * * * وَلِلَّهِ رَبُّ الْخَلْقِ أَكْمَلُ مِدْحَةٍ
وَصَلَّى إلَهُ الْخَلْقِ جَلَّ جَلَالُهُ * * * عَلَى الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ
ـ[ابو اسحاق]ــــــــ[28 - 04 - 08, 07:18 م]ـ
جزاك الله خيراً