جامعة الأزهر
مدخل:
ورد اسمه – سبحانه - (الغفور) في القرآن الكريم إحدى وتسعين مرة، وتنوعت صورته، كما تنوع التركيب الذي ورد فيه بحسب السياق والمقام ويمكن تلخيص هذا التنوع في عدة نقاط:
1 - التعريف والتنكير.
2 - حالته الإعرابية [بين الرفع والنصب والجر].
3 - مجيئه منفرداً أو اقترانه باسم آخر.
4 - تقديمه على الاسم الآخر أو تأخيره.
وتحت كل قسم من هذه الأقسام تفريعات أخرى، لكن هذه هي الأقسام الرئيسة التي يمكن إدخال الأسماء الإحدى والتسعين تحتها.
لكنني أود في البداية أن أشير إلى كثرة ذكر هذا الاسم في سورة النساء حيث وردت مادة (غفر) بصورها المختلفة- اسماً كانت أم فعلاً- في سورة النساء إحدى وعشرين مرة.
وفي ذلك ما يشير إلى شدة احتياجهن إلى هذه الصفة، بل إن أمر النساء عامة في الإسلام قائم على الستر والحجاب والتغطية، فإذا ضممنا إلى ذلك حالهن في الآخرة، وأنهن أكثر أهل النار كما ورد في الحديث علمنا أن هذه الكثرة في سورة النساء ناسبت المرأة في الدنيا والآخرة.
كما أن هذا الاسم ورد معرفاً بـ (أل) في إحدى عشرة آية والباقي بدون (أل) مما يفيد أن المقصود الأعلى من هذا الاسم عموم المغفرة، وشمولها، مما يدل على أن استعمال هذا الاسم يناسب سياقات التعريف بصفاته-سبحانه -، ويقل في سياقات اختصاصه بها دون غيره.
كما أن هذا الاسم الجليل ورد مره واحدة مجروراً بحرف الجر (مِن) وورد منصوباً عشرين مرة، في حين أنه ورد مرفوعاً سبعين مرة.
ولا يخفي ما في ذلك من دلالة، فالرفع أقوى الحركات، هذا يتناغم مع دلالة اسمه (الغفور) الذي يشير إلى عظم المغفرة وكثرتها.
المبحث الأول
اسمه (الغفور) بين التعريف والتنكير
هذا الاسم على وزن (فعول) وفي دلالتها معني الكثرة والعظم، أي أن الغفور هو الذي يستر الذنوب الكثيرة، أو الذي يستر الذنوب العظيمة، في حين أن غفار تتوجه إلى معنى مغفرة الذنب مرة بعد مرة، فالمقصود منها تكرار المغفرة، للعبد الواحد، أو للعباد جميعاً، فالغفار:من تكرر منه المغفرة، للعبد أو للعباد،والغفور: من تعظم مغفرته وتكثر للعبد أو للعباد.وفي كلتا الصيغتين مبالغة.
تعريف الاسم بـ (أل).
تشير السياقات الكثيرة التي ورد فيها اسمه (الغفور) إلى معنى الاختصاص، وقصر المغفرة عليه سبحانه، وكأن المعني هو الكامل المغفرة، وذلك لأن من الناس من يستر عيب أخيه وذنوبه، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالقصر قصر حقيقي أي: لا غفور إلا الله- تعالي-، وتعريف المسند كما قال الخطيب القزويني قد يفيد القصر التحقيقي [كما في قولك – زيد الأمير – إذا لم يكن أمير سواه، وإما مبالغة لكمال معناه في المحكوم عليه كقولك -عمرو الشجاع - أي: الكامل في الشجاعة، فتخرج الكلام في صورة توهم أن الشجاعة لم توجد إلا فيه لعدم الاعتداد بشجاعة غيره لقصورها عن رتبة الكمال .... وقد يفيد القصر]
لكن تتبع اسمه (الغفور) كما قلت، من خلال السياقات يفيد قصر المغفرة عليه لتعريف الطرفين، ووجود ضمير الفصل في بعض الجمل.
يقول أستاذي أبو موسى: [القصر المفاد من قولك (محمد هو الشاعر) لم تدل عليه بكلمة، وإنما تولد بطريقة خفية ولطيفة من احتكاك الألفاظ وتفاعل معانيها لأنك لما قلت: هو، بعد قولك: -محمد- أفدت أنك تقصد إلى تمييزه وتحديده وتخصيصه قبل أن تخبر عنه، وهذا لا يكون إلا إذا كنت حريصاً على إلا يشاركه غيره في هذا الخبر، وهذا هو معنى قصر هذا الخبر عليه، أي قصر المسند على المسند إليه ..
والدلالة هنا تولدت مما بين الكلمات.
وكذلك يتولد معنى القصر في قولك: محمد الكاتب من شيء خفي ولطيف ليس هو في متن الكلمة، وإنما في حافتها.
وذلك لأن التعريف باللام يفيد الجنسية فقولك: الشجاع يفيد جنس الشجاع، والكاتب يفيد جنس الكاتب، ولهذا اتسعت بها الكلمة فاستغرقت الأفراد .. فليس كاتب سواه وهذا هو معنى القصر]
واسمه (الغفور) الذي هو محل البحث الآن عُرِّف باللام وجاء في أغلب جملهِ ضمير الفصل ..
وأنا أذكر الآيات التي ورد فيها اسمه (الغفور) معرفاً بـ (أل) وهي كما قلت إحدى عشرة أية وهي على الترتيب كما يلي:
¥