تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه [الرقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد من الرقة، نحو: رحم الله فلاناً.

وإذا وصف به الباري، فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة.

فالرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة، وتعطف ... والرحيم: هو الذي كثرت رحمته ... ]

والذي ينبغي الوقوف عنده هو وجه اقتران (الغفور) بـ (الرحيم) وهل العبد لا يكتفي بالمغفرة حتى يؤتي له بالرحمة؟

الحق أن المغفرة فضل عظيم لكنها لا تكفي العبد يوم القيامة ولا حتى في الدنيا، وذلك لأن المغفرة وهي ستر الذنب وتغطيته لا تعنى أن الذنب قد أزيل، أو تم العفو عنه، والتجاوز عن صاحبه، كل ما هنالك أنه مستور، لا يعلمه إلا الله تعالي، ولله تعالي المشيئة في أن يحسن إلى المذنب ولا يعاقبه، كما أن له طلاقة المشيئة في أن يعذبه بهذا الذنب في الدنيا والآخرة، وهو في ذات الوقت قد غفر له ذنبه أي ستره عن أعين الخلق وقد يستره عن المذنب أيضا ومن هنا تأتي الرحمة من اسمه (الرحيم) لتلتصق باسمه الغفور ليتم الإحسان والفضل ويكون الغفران بداية العفو، وأول الإحسان زوال الذنب، ومحوه من الصحف بل وتبديله حسنات فيدخل الإنسان الجنة.

الأمر الآخر: أن دخول الجنة لن يتم بسبب المغفرة بل بالرحمة، ولقد ورد حديث: (لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) ومن هنا كان من لوازم المغفرة: الرحمة.

التقديم والتأخير بين الاسمين:

اقتران اسمه (الغفور) باسمه الرحيم جاءت الأكثرية فيه، بتقديم (الغفور) على (الرحيم) لأن المغفرة توطئة للرحمة [فالمغفرة:سلامة، والرحمة: غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة.]

كما أن المغفرة تبدأ من الدنيا بستر الذنب، لكن الرحمة لا تكون إلا في الآخرة والدنيا مقدمة في الترتيب الزمني على الآخرة.

ولم يتغير ذلك الترتيب بين (الغفور والرحيم) إلا في موضع واحد تقدم فيه اسمه (الرحيم) وذلك في قوله تعالي:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سبأ:1،2)

والقرآن الكريم هو خطاب الله تعالي للمكلفين من الثقلين، وأكثر ما يهم الثقلين هو معرفة ثمرة أعمالهم التكليفية التي عملوها.

ولما كان من جملة ما يقع على الأرض أعمال المكلفين، وكذلك من جملة ما يعرج إلى السماء أعمال المكلفين أشارت الفاصلة هنا إلى أن هذه الأعمال مهما بلغ حسنها لا تكافئ نعم الله على العبد، ولا تصلح ثمناً لبلوغ جنته ورضوانه، لكنها سبيل إلى الوصول إلى رحمته ومغفرته وهذا الأخير سبيل إلى دخول الجنة والفوز برضا الله تعالي.

ولما كان المقام هنا مقام تفضل وإنعام، وإحسان وإكرام قدمت الرحمة على المغفرة، لأن المغفرة لا تكون إلا عن ذنب وتقصير ولم يذكر في الآية تصريح بذلك

وأما الرحمة فهي عامة إذ هي من الله، تعالي: الإنعام والإفضال وهذا يشمل كل الكائنات.

وأما الرحمة الخاصة، فلا تكون إلا للمؤمنين المتقين، قال تعالي (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:156)

أضف إلى ذلك أن القضية الأساسية في سورة سبأ هي قضية إثبات البعث فسبب نزول هذه الآيات [أن أبا سفيان قال لكفار مكة، لما سمعوا قول الله تعالي (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:73)

إن محمداً يتوعدنا بالعذاب، بعد أن نموت، ويخوفننا بالبعث، واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبداً، ولا نبعث، فقال الله تعالي: قل يا محمد: (بلى وربي لتبعثن) قاله مقاتل] ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير