تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(غفور) ثم جاء اسمه الحليم ليوضح علة المغفرة.

لكن هناك سياقات يتقدم فيها اسمه (الحليم) ويتأخر اسمه (الغفور) عنه فيقال (إنه كان حليماً غفوراً) وقد جاء ذلك في موضعين اثنين.

الأول في قوله تعالي: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء:44)

والآخر في قوله تعالي:

(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (فاطر:41)

وبداية أود أن أشير إلى عدة نقاط تجمع بين الجملتين وهي:

1 - أن الآيتين في ذكر أمر متعلق بالسماوات والأرض

2 - أن الجملتين بنيتا على التوكيد بـ (إن) ثم مجيء اسمها ضميراً ثم المجيء بجملة (كان) الناسخة لتكون خبراً.

3 - أن اسمي (الغفور والحليم) جاءا نكرتين، وتقدم اسمه (الحليم) على اسمه (الغفور).

والسياق الذي يحيط بالآيتين في سورة الإسراء وسورة فاطر سياق يفوح منه روائح الغضب، لأنه يتحدث عن قوم ادعوا أن مع الله إلاهاً آخر، وادعوا أن الله اصطفاهم بالبنين في الوقت الذي يخضع الكون كله لعظمته إلا هؤلاء!!.

أن الآيات تستنكر فتقول: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) (الإسراء:40)

وراجع قراءة قوله (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) لأنها تولد تهديداً بل رعباً في القلب، ونذراً بالخطر ... ثم يوالي السياق الحديث عن هؤلاء وظلمهم فيقول (لو كان معه آلهة كما يقولون).

ثم تزداد نبرة التهديد بذكر المقابل، والعجيب أن المقابل لهؤلاء هو الكون كله (السماوات والأرض ومن فيهن وكل شيء) هؤلاء جميعاً من جهة وهذه الفئة الضالة في جهة أخرى، الكون كله يسبح، وهؤلاء يقولون قولاً عظيماً.

إن منطق القوة ومنطق الفهم البشري تستدعي على عجل الانتقام من هؤلاء وخسف الأرض بهم، لكن صفات الجمال تحيط بهم وتمهلهم، لعلهم يثوبون، فيغفر لهم.

إذن الأولى بالتقديم صفة الحلم فقيل (إنه كان حليماً غفوراً) وكأن المغفرة مؤجلة حتى يعودوا ومؤخرة حتى يتوبوا.


فإذا جئ إلى آية فاطر رأيت هذه البسط يختصر اختصاراً، فيقال (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَاراً) (فاطر:39)
وإذا كان الكون هناك يسبح والسماوات والأرض تسبح فإن الأمر هنا ليس أمر تسبيح، بل أمر حفظ، حفظ هذه السماوات والأرض من الزوال والانسياح في الكون الذي لا يعلمه إلا الله، ولا شك أن كفر هؤلاء وجعلِهم لله شركاء يستوجب أن يُطوَّح بهم في هذا الكون مع السماء والأرض ولكن يظهر الإمهال مرة أخرى فيقال: (إنه كان حليماً غفوراً) وكأن هذا الإمساك ثمرة من ثمار الحلم فلما أخبر عن إمساكه سبحانه للسماوات والأرض بيَّن أن ذلك سببه هو الحلم ولعلهم يثوبون فيغفر لهم. ولذلك ختمت السورة بقوله (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (فاطر:45)

ثالثاً: اعتناق العزيز والغفور
يقول ابن فارس: إن (العين والزاء أصل صحيح واحد يدل على شدة وقوة وما ضاهاهما من غلبة وقهر، والعزيز: الذي لا يُقدر عليه.]
[والعزة: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم: أرض عزاز أي: صلبة .. وقيل: من عز بز: أي من غلب سلب]
[والعزيز: من صفات الله عز وجل، وأسمائه الحسنى، قال الزجاج: وهو الممتنع فلا يغلبه شيء، وقال غيره: هو القوى الغالب كل شيء، وقيل: هو الذي ليس كمثله شيء]
وقد جاء اسمه (العزيز) مع اسمه الغفور مرتين في القرآن الكريم وذلك في سورة فاطر آية 28، وسورة الملك آية 2.
في حين اقترن اسمه الغفار باسمه العزيز ثلاث مرات وذلك في سورة (ص) آية 66 وسورة الزمر آية 5 وسورة غافر آية 42.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير