تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث: أن تقييد القدرة بالمشيئة يوهم اختصاصها بما يشاؤه الله تعالىفقط، لا سيما وأن ذلك التقييد يؤتى به في الغالب سابقاً حيث يقال: "على ما يشاء قدير" وتقديم المعمول يفيد الحصر كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة وشواهده من الكتاب والسنة واللغة، وإذا خصت قدرة الله تعالىبما يشاؤه كان ذلك نقصاً في مدلولها وقصراً لها عن عمومها فتكون قدرة الله تعالىناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه، وهو خلاف الواقع فإن قدرة الله تعالىعامة فيما يشاؤه وما لم يشأه، لكن ما شاءه فلابد من وقوعه، وما لم يشأه فلا يمكن وقوعه.

فإذا تبين أن وصف الله تعالىبالقدرة لا يُقيد بالمشيئة بل يطلق كما أطلقه الله تعالىلنفسه فإن ذلك لا يعارضه قول الله ـ تعالى-:] وهو على جمعهم إذا يشاء قدير [(1) فإن المقيد هنا بالمشيئة هو الجمع لا القدرة، والجمع فعل لا يقع إلا بالمشيئة ولذلك قيد بها فمعنى الآية أن الله تعالى قادر على جمعهم متى شاء وليس بعاجز عنه كما يدعيه من ينكره ويقيده بالمشيئة رد لقول المشركين الذين قال الله تعالىعنهم:] وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين. قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون [(2) فلما طلبوا الإتيان بآبائهم تحدياً وإنكاراً لما يجب الإيمان به من البعث، بين الله تعالىأن ذلك الجمع الكائن في يوم القيامة لا يقع إلا بمشيئته ولا يوجب وقوعه تحدي هؤلاء وإنكارهم كما قال الله تعالى-:] زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير. يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن [(3) والحاصل أن قوله تعالى:] وهو على جمعهم إذا يشاء قدير [. لا يعارض ما قررناه من قبل لأن القيد بالمشيئة ليس عائداً إلى القدرة وإنما يعود إلى الجمع. وكذلك لا يعارضه ما ثبت في صحيح مسلم في كتاب "الإيمان" في "باب آخر أهل النار خروجاً" من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "آخر من يدخل الجنة رجل" فذكر الحديث وفيه أن الله تعالى قال للرجل: "إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر" وذلك لأن القدرة في هذا الحديث ذكرت لتقرير أمر واقع والأمر الواقع لا يكون إلا بعد المشيئة، وليس المراد بها ذكر الصفة المطلقة التي هي وصف الله تعالىأزلاً وأبداً، ولذلك عبر عنها باسم الفاعل "قادر" دون الصفة المشبهة "قدير" وعلى هذا فإذا وقع أمر عظيم يستغربه المرء أو يستبعده فقيل له في تقريره: إن الله على ما يشاء قادر فلا حرج في ذلك، وما زال الناس يعبرون بمثل هذا في مثل ذلك، فإذا وقع أمر عظيم يستغرب أو يستبعد قالوا: قادر على ما يشاء، فيجب أن يعرف الفرق بين ذكر القدرة على أنها صفة لله تعالى فلا تقيد بالمشيئة، وبين ذكرها لتقرير أمر واقع فلا مانع من تقييدها بالمشيئة لأن الواقع لا يقع الا بالمشيئة، والقدرة هنا ذكرت لإثبات ذلك الواقع وتقرير وقوعه، والله سبحانهأعلم.

(438) سئل فضيلة الشيخ: عن حكم قول الإنسان: "أنا مؤمن إن شاء الله"؟

فأجاب بقوله: قول القائل: "أنا مؤمن إن شاء الله، يسمى عند العلماء (مسألة الاستثناء في الإيمان). وفيه تفصيل:

أولاً: إن كان الاستثناء صادراً عن شك في وجود أصل الإيمان فهذا محرم بل كفر، لأن الإيمان جزم والشك ينافيه.

ثانياً: إن كان صادراً عن خوف تزكية النفس والشهادة لها بتحقيق الإيمان قولاً وعملاً واعتقاداً، فهذا واجب خوفاً من هذا المحذور.

ثالثاً: إن كان المقصود من الاستثناء التبرك بذكر المشيئة، أو بيان التعليل وأن ما قام بقلبه من الإيمان بمشيئة الله، فهذا جائز والتعليق على هذا الوجه ـ أعني بيان التعليل ـ لا ينافي تحقق المعلق فإنه قد ورد التعليق على هذا الوجه في الأمور المحققة كقوله تعالى:] لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون [(1) والدعاء في زيارة القبور "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" وبهذا عرف أنه لا يصح إطلاق الحكم على الاستثناء في الإيمان بل لابد من التفصيل السابق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير