· ومن آدابه المتأكدة أن يكون حريصاً على التعلم مواظباً عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يُحمِّل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل، وضياع ما حصَّل، وهذا يختلف باختلاف النَّاس، والأحوال، وإذا جاء إلى مجلس الشيخ ولم يجده انتظره ولازم بابه، ولا يفوت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه، وأنه لا يقرأ في غيره، وإذا وجد الشيخ نائماً أو مشغولاً انتظره، ولا يزعجه بالاستئذان وينبغي أن يأخذ نفسه بالاجتهاد في التحصيل وقت الفراغ، والنشاط، وقوة البدن ونباهة الخاطر، وقلة الشاغلات قبل عوارض البطالة وارتفاع السن والمنزلة وينبغي أن يُبكر بأخذ وظيفتة أول النهار لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ بَارِك لأُمَّتي في بُكُورِهَا).
· وقد قدّمنا أنَّهُ يُكره الإيثار بنوبتهِ؛ فإنْ رأى الشيخ الإيثار في بعض الأوقات لمعنىً شرعي فأشار عليه به امتثل أمره.
· فصل
· وممَّا يجب ويتأكد الاعتناء به أن لا يسد أحداً من رفقته أو غيرهم، ولا يعجب بما حصله، ولا يُرائي به، وطريقه في نفي العُجب أن يذكر نفسه أنه لم يُحصِّل ما معه بحوله وقوته؛ وإنما هو فضل من الله تعالى أودعه فيه فلا ينبغي أن يفتخر بما لم يصنعه، وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا فلا يُعترض عليها، ولا يكره ما أراده الله تعالى ولم يكرهه، وطريقه في نفي الرياء أن يعلم أن بالرياء يُذهب ما معه في الآخرة، وتذهب بركته في الدنيا، ويستحق الذم، فلا يبقى معه في التحقيق شيء يُرائي به عافانا الله من سخطاته، ووفقنا لمرضاته.
·
·
الباب الخامس
في آداب حامل القُرآن
· قد تقدم جُملٌ منهُ في الباب الرابع، من آدابه أن يكون على أكمل الأحوال، وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القُرآن عنه، وأن يكون متصوِّنَاً عن دنيء الاكتساب، شريف النَّفس، مُتَرَفِّعاً عن الجبَابِرة، والجُفاة من أهل الدنيا متواضعاً للصالحين، وأهل الخير والمساكين، وأن يكون مُتخشِّعَاً ذا سكينةٍ ووقار.
· فقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليلهِ إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائهِ إذا النَّاس يضحكون، وبصمتهِ إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون ".
· وعن الحسن البصريُّ رحمه الله قال: إن من كَان قبلكم رأوا القُرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار.
· وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: "حامل القُرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهوا مع من يلهوا، ولا يسهو مع من يسهوا، ولا يلغوا مع من يلغوا تعظيماً لحق القرآن".
·
· فصل
· ومن أهم ما يُؤمرُ به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن عيشة يكتسب بها، فقد جاء في النهي عن ذلك أشياء كثيرة مشهورة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة، والسَّلف، وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء في جوازه، فجوزه عطاء، ومالك والشافعي، وآخرون إذا استأجره إجارة صحيحة. ومنعه الزُّهريّ، وأبو حنيفة، وآخرون.
· والأحاديث الصحيحة تقتضي الجواز.
· أمَّا الحديث الوارد بالمنع، فعنه جوابان أوضحتهما مع غيرهما.
·
· فصل
· وينبغي أن يُحافظ على تلاوته، ويُكثر منها، وقد كانت للسَّلف رضي الله عنهم عادات في قدر ما يختمون فيه، فمنهم من كان يختم في كل شهرين ختمة، ومنهم من كان يختم في كل شهرين ختمة، ومنهم من كان يختم في كل شهر، وكان بعضهم يختم في عشر ليالٍ، وبعضهم في ثمان ليالٍ، وبعضهم في سبعٍ، وبعضهم في ستٍ، وبعضهم في خمس، وبعضهم في أربع، وبعضهم كل ليلة، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمتين، وبعضهم في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وأربع في النهار، وكان أكثرهم يختم في كل سبع ليال، وكثيرون في كل ثلاث، وقد بينت من كل فرقة من هؤلاء جماعة في "التبيان" وذكرت دلائلهم، والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يُحصل له معه كمال فهم ما يقرأه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم، والحُكم بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الدِّين والمصالح العامة؛
¥