وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصيَّة في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطءُ في الدبر لايُعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي (3) 0
قال الإمام القرطبي: " ولأن الحكمة من خلق الأزواج بث النسل، فغير موضع النسل لايناله ملك النكاح وهذا هو الحق " (4) 0
¨ ومن الأدلة العقلية، ماذكره الإمام القرافي بقوله:
" 000 وظاهر الآية يقتضي التحريم، خلاف ما يتوهمه المعنى لقوله تعالى:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ [0 والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر، كقوله r " تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " و " ذكاة الجنين ذكاة أمه " فلا يحصل تحريم بغير تكبير، ولا تحليل بغير سلام، ولا ذكاة الجنين بغير ذكاة أمه، ولا النسل في غير حالة الحرث الذي هو الفعل المفضي إلى النسل 0
ولأن الشرع إنما حرم اللواط والاستمناء لكي لا يستغنى بهما عن الوطء الموجب للنسل الموجب لبقاء النوع والمكاثرة لرسول الله r بأمته، وهذا المعنى قائم ها هنا، فيحرم لاندراجه في قوله تعالى:] ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الخَبَائِثَ [وتلطخ الإنسان بالعذرة من الدبر مِنْ أخبث الخبائث، ولا يميل إلى ذلك في الذكور والإناث إلا النفوس الخبيثة، خسيسة الطبع بهيمية الأخلاق، والنفوس الشريفة بمعزل عن ذلك (5) 0
(1) النجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط 0
(2) بدائع الصنائع: 2/ 1331 0
(3) نقلاً عن الزاد لابن القيم باختصار: 4/ 240 0
(4) تفسير القرطبي: 3/ 91، روح المعاني للألوسي: 2/ 124 0
(5) الذخيرة: 4/ 417 ـ 418 0
وقال الإمام القرطبي، نقلاً عن ابن عبدالبر: إن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب تُرَّد به 000 لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع الوطء، ولو كان موضعاً للوطء ما رُدّت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج (1) 0
¨ ومن المعقول أيضاً ما ذكره ابن الحاج في المدخل (2) بقوله:
1) إن من مقاصد النكاح النسل لقول النبي r ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) (3)، والنسل من غير وطء في القبل لا يكون، فلا يأتي من الوطء في الدبر 0
2) ومن المعلوم أن القذر يكون في الدبر بشكل أكبر وأشد من الحيض الذي يأتي في فترات في القبل، وهي أيام يسيرة من الشهر غالباً، ومع هذا حرم الجماع في مدته مع أن نجاسته عارضة، فمن باب أولى أن يحرم الوطء في الدبر لأجل النجاسة المستمرة التي تخرج منه، فهو موضوع لا تفارقه النجاسة 0
3) وإذا أبيح للرجل الوطء في الدبر، فإن في هذا قضاء لشهوته هو وحرمان المرأة من حقها في الاستمتاع، وفي هذا ضرر بها من وجهين:
* تحريك باعث الشهوة فيها من غير أن تنال شيئاً من حقها في الاستمتاع، وفي هذا ضرر بها، إذ قد يدفعها هذا إلى ارتكاب الفاحشة 0
¨ الوجه الثاني: إن وطء المرأة في دبرها يضر بها في صحتها مع عدم منفعتها منه في شيء0
¨ ومن أدلة الجمهور الاستصحاب:
قال الطبري: " 000إن الكل مجمعون قبل النكاح أن كل شيء معها حرام، ثم
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 3/ 94 0
(2) المدخل لابن الحاج: 2/ 199.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب (الاتيان في الدبر حرام): 3/ 180 0
اختلفوا فيما يحل له منها بالنكاح ولن ينتقل المحرم بإجماع إلى تحليل إلا بما يجب التسليم له من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أصل مجمع عليه، فما اجتمع منها على التحليل فحلال، وما اختلف فيه منها فحرام، والإتيان في الدبر مختلف فيه، فهو على التحريم المجمع عليه 000 " (1) 0
¨ كما استدل الجمهور بالقياس:
قال الإمام الماوردي: " ومن طريق القياس أنه إتيان، فوجب أن يكون محرماً كاللواط، ولأنه أذى معتاد، فوجب أن يحرم الإصابة فيه كالحيض، ولا يدخل عليه وطء المتسحاضة، لأنه نادر (2) 0
¨ وقد نقل أهل العلم الإجماع على تحريمه:
فقد قال الماوردي، بعد أن ذكر الآثار عن النبي r ـ قال رحمه الله: " ولأنه إجماع الصحابة، روي ذلك عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وابن مسعود، وأبي الدرداء 000 " (3).
¥