ذكر عقيدتهم، وأنها موافقة لمذهب أهل السنة والجماعة، وفي هذا ردٌ على المنتسبين إلى الحنفية في الوقت الحاضر أو في العصور المتأخرة، ينتسبون إلى الحنفية ويخالفون أبا حنيفة في العقيدة، فهم يمشون على مذهبه في الفقه فقط، ويخالفونه في العقيدة، فيأخذون عقيدة أهل الكلام والمنطق، وكذلك حدث في الشافعية المتأخرين منهم يخالفون الإمام الشافعي في العقيدة، وإنما ينتسبون إليه في الفقه، كذلك كثير من المالكية المتأخرين ليسوا على عقيدة الإمام مالك، لكنهم يأخذون من مذهب مالك في الفقه فقط، أما العقيدة فهم أصحاب طرق وأصحاب مذاهب متأخرة.
ففي هذه العقدية ردٌ على هؤلاء وأمثالهم ممن ينتسبون إلى الأئمة، ويتمذهبون بمذاهب الأئمة الأربعة، ويخالفونهم في العقيدة، كالأشاعرة: ينتسبون إلى الإمام أبي الحسن الأشعري في مذهبه الأول، ويتركون ما تقرر واستقر عليه أخيراً من مذهب أهل السنة والجماعة، فهذا انتساب غير صحيح؛ لأنهم لو كانوا على مذهب الأئمة لكانوا على عقيدتهم.
(2) نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحدٌ لا شريك له.
نقول، أي؛ نعتقد في توحيد الله عز وجل.
والتوحيد لغة: مصدر وحّد: إذا جعل الشيء واحداً.
وشرعاً: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وترك عبادة ما سواه.
وأقسامه ثلاثة بالاستقراء من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تقرر عليه مذهب أهل السنة والجماعة، فمن زاد قسماً رابعاً أو خامساً فهو زيادة من عنده؛ لأن الأئمة قسّموا التوحيد إلى أقسام ثلاثة من الكتاب والسنة.
فكل آيات القرآن والأحاديث في العقيدة لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة.
الأول: توحيد الربوبية: وهو توحيد الله تعالى وإفراده بأفعاله: كالخلق، والرزق، والإحياء والإماتة، وتدبير الكون، فليس هناك رب سواه سبحانه وتعالى، رب العالمين.
القسم الثاني: توحيد الألوهية أو توحيد العبادة؛ لأن الألوهية معناها عبادة الله عز وجل بمحبته وخوفه ورجائه، وطاعة أمره، وترك ما نهى عنه فهو إفراد الله تعالى بأفعال العباد التي شرعها لهم.
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وتنزيهه عما نزّه عنه نفسه، ونزّهه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من العيوب والنقائص.
فكل الآيات التي تتحدث عن أفعال الله فإنها في توحيد الربوبية، وكل الآيات التي تتحدث عن العبادة والأمر بها والدعوة إليها فإنها في توحيد الألوهية.
وكل الآيات التي تتحدث عن الأسماء والصفات لله عز وجل فإنها في توحيد الأسماء والصفات.
وهذه الأقسام الثلاثة المطلوب منها هو توحيد الألوهية؛ لأنه هو الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب، وقام من أجله الجهاد في سبيل الله، حتى يُعبد الله وحده، وتُترك عبادة ما سواه.
وأما توحيد الربوبية ومنه توحيد الأسماء والصفات فلم ينكره أحد من الخلق، وذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في آيات كثيرة، ذكر أن الكفار مُقرُّون بأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، والمدبر، فهم لا يخالفون فيه. وهذا النوع إذا اقتصر عليه الإنسان لا يدخله ذلك في الإسلام؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قاتل الناس وهم يقرون بتوحيد الربوبية، واستحل دمائهم وأموالهم.
ولو كان توحيد الربوبية كافياً لما قاتلهم الرسول عليه الصلاة والسلام، بل ما كان هناك حاجة إلى بعثة الرسل، فدل على أن المقصود والمطلوب هو توحيد الألوهية، أما توحيد الربوبية فإنه دليل عليه، وآية له، ولذلك إذا أمر الله بعبادته ذكر خلقه للسموات والأرض، وقيامه سبحانه بشؤون خلقه، برهاناً على توحيد الألوهية، وإلزاماً للكفار والمشركين، الذين يعترفون بالربوبية وينكرون الألوهية، ولما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا: لا إله إلا الله" قالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) () [ص:5]، وقال سبحانه وتعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) [الزمر: 45]، وقال تعالى: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون) [الصافات: 35:36]
فهم لا يريدون توحيد الألوهية، بل يريدون أن تكون الآلهة متعددة، وكلٌ يعبد ما يريد.
¥