فالنوم كمال في حق المخلوق، نقص في حق الخالق؛ لأن المخلوق الذي لا ينام معتل الصحة، فهذا يدل على الفرق بين صفات الخالق وصفات المخلوق، والحي والقيوم: هاتان الصفتان مأخوذتان من قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) الحي الذي له الحياة الكاملة، والقيوم صيغة مبالغة.
(12) قيوم لا ينام:
القيوم هو: القائم بنفسه والمقيم لغيره، القائم بنفسه فلا يحتاج إلى شيء، وغني عن كل شيء، المقيم لغيره، كل شيء فقير إليه يحتاج إلى إقامته له سبحانه وتعالى، فلولا إقامة الله للسموات والأرض والمخلوقات لتدمرت وفنيت، ولكن الله يقيمها ويحفظها ويمدها بما يصلحها.
فجميع الخلق في حاجة إليه (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) [فاطر: 41].
(13) خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة:
هو الذي خلق الخلق وهو ليس بحاجة إليهم، إنما خلقهم لعبادته (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات:56]، فخلقهم لا لحاجة إليهم بأن ينصروه أو ليعينوه أو ليساعدوه –سبحانه- أو يحموه، إنما خلقهم لعبادته، وهم المحتاجون للعبادة؛ لتصلهم بالله وتربطهم بربهم، فالعبادة صلة بين العبد وربه، فتقربه من الله، ويحصل بها من الله على الثواب والجزاء، فالعبادة حاجة للخلق وليست بحاجة لله عز وجل (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد) [إبراهيم:8] (إن تكفروا فإن الله غني عنكم) [الزمر:7]. وقوله: (رازق بلا مؤنة) أي هو القائم بأرزاق عباده ولا ينقص ذلك مما عنده.
(14) مميت بلا مخافة:
أي: يميت الأحياء إذا كملت آجالهم، لا لأنه خائف منهم ولكن ذلك لحكمته سبحانه وتعالى؛ لأن الحياة في الدنيا لها نهاية، وأما الآخرة فليس للحياة فيها نهاية، فإماتتهم ليس خوفاً منهم أو ليستريح منهم، ولو كانوا يكفرون به فإنه لا يتضرر بكفرهم، وإنما يضرون أنفسهم، لكنه هو يفرح بتوبتهم؛ لأنه يحب –ويريد- لهم الخير، فهو يفرح بتوبتهم وهو ليس في حاجة إليهم، إنما ذلك لطفه وإحسانه.
(15) باعث بلا مشقة:
هذا من عجائب قدرته، أنه يميت الخلق ويفنيهم حتى يتلاشوا ويصيروا تراباً ورفاتاً. حتى يقول الجاهل: لا يمكن أن يعودوا ولكن الله عز وجل يبعثهم من جديد ويعيد خلقهم من جديد، وليس عليه في ذلك مشقة، كما قال سبحانه وتعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) [لقمان:28]. (وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) [الروم:27].
فالمشركون أنكروا البعث استبعاداً منهم كما ذكر الله ذلك عنهم: (قال من يحي العظام وهي رميم) [يس:78]، قال سبحانه وتعالى: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) [يس:79].
أول مرة، ليس لها وجود أصلاً، فأوجدها من العدم سبحانه وتعالى، فالذي خلقها من العدم: أليس بقادر على إعادتها من باب أولى؟ هذا في نظر العقول، وإلا فإن الله سبحانه لا يُقاس بخلقه، إنما ذلك لضرب المثل: (وله المثل الأعلى) [الروم:27].
فهذا ردٌ على هذا الجاحد، قال تعالى: (ونسي خلقه) [يس:78]، نسي أنه في الأول كان لا شيء ولا وجود له (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) [الإنسان:1]، نسي أن الله أوجده من عدم.
فهو يجمع هذه العظام المتفرقة، واللحوم الممزقة، والتراب الذي تحلل، وهذه الشعور المتبعثرة يعيدها كما كانت، (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا انتم تخرجون) [الروم:25] (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) [الزمر:68] وهي نفخة البعث.
فالأولى نفخة الصعق والموت، والثانية نفخة البعث.
(ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث) [يس:51] أي: القبور: (إلى ربهم ينسلون * قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) [يس:51:52].
فالله قادر على كل شيء، وهذا رد على الكفار الذين يُعجزون الله عن إحياء الموتى وإعادتهم كما كانوا.
قال تعالى: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه) [القيامة:3،4]. (يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون) [المعارج:43].
¥