فكل شيء إليه فقير، لا الأولياء ولا السماوات، ومن يقول: إن الأولياء لهم قدرة غير البشر وإنهم يتصرفون في الكون، وإنهم ينفعون ويضرون من دون الله، فذلك من قول الكفرة والمشركين، فليس للأولياء والرسل والملائكة غنى عن الله ولا تصرف من دونه.
وهذا مما يبطل عبادة غير الله من الأصنام ونحوها، كيف تعبد أشياء فقيرة وتنسى الذي بيده ملكوت كل شيء؟ ولهذا لما قال بعض علماء القبورية لعامي من أهل التوحيد: أنتم تقولون: إن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، قال: نقول: إنهم لا ينفعون ولا يضرون، قال: أليس الله تعالى يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران:169]. قال: وهل الله قال: يُرزقون، أو يَرزقون؟ قال: بل قال: (يُرزقون) بضم الياء، قال: إذن أنا أسأل الذي يرزقهم ولا أسألهم. فانخصم ذلك العالم بحجة العامي الذي هو على الفطرة.
(25) وكل أمر عليه يسير:
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) [يس:82].
فهو يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويعطي ويمنع، ويحيي الموتى بعد فنائهم، وذلك يسير عليه سبحانه وتعالى، لا يكلفه شيئاً ولا يشق عليه، خلاف المخلوق، فإنه يتكلف بفعل الأشياء، أو يعجز عنها، أما الله فليس شيء عليه صعباً، (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) [لقمان:28].
(26) لا يحتاج إلى شيء:
الله سبحانه غني عن كل شيء، فالله ليس بحاجة إلى الخلق؛ لأنه هو الغني، فهو الذي يعطي الخلق سبحانه.
(27) (ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير):
هذا نفي للتشبيه عن الله سبحانه، والكاف لتأكيد النفي، مثل: (وكفى بالله عليماً) [النساء:70] الأصل: وكفى الله عليماً، ولكن جاءت الباء للتأكيد.
وليس يشبهه شيء من الأشياء، لا الملائكة ولا الأنبياء والرسل ولا الأولياء ولا أي مخلوق (وهو السميع البصير) [الشورى: 11] فسمى نفسه السميع البصير.
فالآية في أولها رد على المشبهة، وفي آخرها رد على المعطلة، ودلت على أنه لا يلزم من إثبات الأسماء والصفات التشبيه بالمخلوقات، فسمع وبصر المخلوقات لا يشبه سمع ولا بصر الله عز وجل.
(28) خلق الخلق بعلمه:
قال سبحانه: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [تبارك: 14]. فخلقه دليل على علمه سبحانه وتعالى وقدرته كما قال تعالى (وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً)
(29) وقدر لهم أقداراً:
قدر الله جل وعلا المقادير، ولم يوجد هذه الأشياء بدون تقدير (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) [الحجر:21] فكل شيء قدره الله بمقادير وكيفيات لا تختلف ولا تتغير، فالإنسان قدر الله جسمه وحواسه وأعضاءه وتركيبه وأوزانه، حتى صار إنساناً معتدلاً يمشي ويقف ولو اختل شيء من أعضاء هذا الإنسان أو من تراكيبه اختل الجسم، وكذلك سائر الكائنات (وكل شيء عنده بمقدار) [الرعد:8] فلكل شيء مقادير ينضبط بها، ولكل شيء مقادير تختلف عن مقادير الآخر.
(30) وضرب لهم آجالاً:
المخلوقات لها آجال ولها نهاية، قال سبحانه (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). [الرحمن:26:27]، وقال سبحانه: (كل شيء هالك إلا وجهه) [القصص:88].
كل شيء له عمر محدود، حدده الله –سبحانه- إما قصير وإما طويل، قال سبحانه، (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) [فاطر:11]، فالأعمار بيده سبحانه وتعالى، وهذا يدل على كمال ربوبيته وكمال قدرته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
(31) ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم:
بل هو عالم بالأشياء قبل أن توجد، لا أنه لا يعلمها إلا بعد أن وُجدت.
(32) وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم:
علم ما يعمل العباد قبل خلقهم، أن هذا من أهل الطاعة وهذا من أهل المعصية.
(33) وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته:
¥