تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما في قوله تعالى: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) [الذاريات:56]، خلقهم أولاً، ثم أمرهم بعبادته سبحانه وتعالى، فهو سبحانه أمرهم بطاعته، مع أنه يعلم ما هم عاملون من قبل، ولكن الجزاء لا يترتب على العلم، وإنما الجزاء يترتب على العمل، فالله لا يعذب العبد بحسب العلم، إلا إذا وقع منه الذنب، ولا يكرم المحسن حتى يقع منه الفعل، فالجزاء مرتب على العمل، لا على العلم ولا على القدر، ففرق بين العلم وبين الجزاء، ولذلك أمرهم الله ونهاهم، فمن أطاع الأوامر وترك النواهي حصل على الثواب، ومن خالف الأوامر وارتكب النواهي حصل على العقاب بأفعاله هو لا بأفعال الله سبحانه، فالعبد هو المصلي والمزكي والحاج والمجاهد، فالأعمال تنسب إليه لا إلى الله، إلا من جهة الخلق والعلم والتقدير والتوفيق.

(34) وكل شيء يجري بتقديره:

لا شك أن كل شيء بتقديره لا يخرج عن تقدير الله من الخير والشر، والطاعة والمعصية، والكفر والإيمان، والمرض والصحة، والغنى والفقر، والعلم والجهل، كل شيء يجري بتقديره، وليس في ملكه شيء لم يقدره ولا يريده.

(35) ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن:

الله سبحانه وتعالى له مشيئة، والعباد لهم مشيئة، ولكن مشيئة العباد مرتبة على مشيئة الله، وليست مستقلة، ولهذا قال سبحانه: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً) [الإنسان:30] وقال سبحانه: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير:29] فجعل لنفسه مشيئة هي من صفاته، وجعل لعباده مشيئة هي من صفاتهم، وربط مشيئتهم بمشيئته سبحانه، وفي هذا رد على القدرية والجبرية: فالقدرية ينفون مشيئة الله لأفعال العباد، ويجعلون للعبد مشيئة مطلقة، وأن العبد مستقل بأفعاله وإرادته ومشيئته، هذا مذهب القدرية من المعتزلة وغيرهم. والجبرية يقولون: العبد ليس له مشيئة، وإنما المشيئة لله فقط، والعبد يتحرك بدون اختياره ولا إرادته، مثل ما تحرك الآلة. فطائفة غلت في إثبات مشيئة الله وطائفة غلت في إثبات مشيئة العبد.

وأما أهل السنة والجماعة: فأثبتوا المشيئتين، وجعلوا مشيئة العبد مربوطة بمشيئة الله، أخذاً من الآيتين السابقتين فقوله: (وما تشاءون) فيه إثبات مشيئة العباد، وقوله: (إلا أن يشاء الله) فيه إثبات مشيئة الله عز وجل، وفي الآية أن مشيئة العبد ليست مستقلة، وإنما هي مربوطة بمشيئة الله؛ لأنه خلق من خلق الله، خلقه وخلق مشيئته وخلق إرادته، ولهذا لما قال بعض الناس للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، قال عليه الصلاة والسلام: "أجعلتني لله نداً؟ " أي: شريكاً في المشيئة "قل: ماشاء الله وحده" (). ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قوماً يقولون: ما شاء الله وشاء محمد، أنكر ذلك وقال: "قولوا؛ ما شاء الله ثم شاء محمد"، فجعل مشيئته مرتبة على مشيئة الله "بثم" التي تفيد الترتيب والتراخي، لا بالواو؛ لأنها تقتضي التشريك.

(36) يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً:

الله سبحانه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهذا بقضاء الله وقدره، ولكنه يهدي من يعلم أنه يصلح للهداية، ويهدي من يحرص على طلب الهداية ويُقبل عليها، فإن الله ييسره لليسرى، ويضل من يشاء بسبب إعراضه عن طلب الهداية والخير، فيضله الله عقوبة له على إعراضه وعدم رغبته في الخير، يوضح ذلك قوله تعالى: (فأما من أعطى وأتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى) [الليل:5 - 7] فصار السبب من العبد، والقدر من جهة الله سبحانه: (وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى) [الليل:8 - 10] فصار السبب من العبد والقدر من الله عز وجل، ولكن قدره الله عقوبة له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير