فقدر الله الهداية فضلاً من الله عز وجل، وتكرم على الشخص الذي يريد الخير ويريد الهداية، فييسره الله للخير ولفعله، وهذا لمصلحته، لا مصلحة لله عز وجل، وأما إضلال الضالين فعدل منه سبحانه وتعالى، جزاءً لهم على إعراضهم وعدم إقبالهم على الخير وعلى طاعة الله عز وجل، لم يظلمهم شيئاً، ولهذا نجد في الآيات (والله لا يهدي القوم الظالمين) [البقرة:258] (والله لا يهدي القوم الكافرين) [البقرة:264]، (والله لا يهدي القوم الفاسقين) [المائدة:108] فجعل الظلم، والكفر، والفسق، أسباب لعدم الهداية، وهذه من أفعال العباد جازاهم عليها، عدلاً منه سبحانه وتعالى لا ظلماً (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [النحل:33]، فلا يليق به سبحانه أن يكرم من هذا وصفه وأيضاً لا يليق به سبحانه وتعالى أن يُضيع عمل العاملين، قال سبحانه: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) [الجاثية:21] (وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) [الجاثية:22]، (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون) [القلم:35،36] هذا جور ينزه الله عنه، ويقول سبحانه وتعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) [ص:28].
فالله سبحانه وتعالى لا يُضيع أجر من عمل صالحاً، ولا يجازي أحداً بغير فعله، وبغير كسبه (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) [الصافات:39] فالعمل كله للعبد من الخير والشر، والمجازاة من الله فضلاً وعدلاً.
(37) وكلهم يتقلبون في مشيئة بين فضله وعدله:
وكل العباد لا يخرجون عن التقلب في مشيئة الله بين فضلة على أهل الطاعة وأهل الخير، وعدله مع أهل الكفر والشرك، وهذا هو اللائق بحكمته وعظمته سبحانه، فلا يجمع بين المتضادات والمختلفات، بل ينزل الأشياء في منازلها، ولهذا من أسمائه: الحكيم، ومن صفاته: الحكمة، الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها، فيضع الفضل في أهل الطاعة، ويضع العذاب في أهل الكفر والمعاصي، هذا فضله سبحانه وعدله.
(38) وهو متعال عن الأضداد والأنداد:
(متعال) أي: مرتفع بذاته وقدره وقهره عن الأضداد والأنداد، فالأنداد: هم الأمثال والشبهاء والنظراء، فالله سبحانه وتعالى ليس له نظير، وليس له مثيل ولا شبيه، فلا أحد يشارك الله ولا يشابهه ولا يساويه جل وعلا، وهذا من علو قدره وقهره وهو العلي بذاته فوق مخلوقاته. أما الأضداد: فهم المعارضون له، فالله ليس له معارض، ولا يضاده أحد من خلقه، فإنه إذا أراد أمراً فلا يمكن لأحد أن يعترض ويمنع أمره سبحانه وتعالى، وإذا أراد إعطاء فلا أحد يمنع، وإذا أراد منعاً لشيء فلا أحد يعطيه (لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت) ().
قال تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) [فاطر:2].
فلا ند لله ولا ضد له فيما يأمر به وينهى عنه، خلاف المخلوقين فيوجد من ينازعهم ويقف ضد تنفيذ أوامرهم، فالمخلوقات كلها لها مشارك، فالخلق يتشابهون في العلم والاسم وفي كل شيء، في الأجساد والصفات، ويشتركون في الأفعال والأملاك والله سبحانه لا يشبهه أحد ولا يشاركه أحد.
(39) لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره:
فالله (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) [مريم:35] (لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) [الرعد:41] فالله عز وجل إذا قضى أمراً فلا يستطيع أحد أن ينقضه أو يرده، بخلاف المخلوق فقد يعطل تنفيذ حكمه وقد يُنقض.
(ولا غالب لأمره): وإذا أمر بالشيء لا أحد يغلب أوامره الكونية، أما أوامره الشرعية فقد تُعطل وقد تُخالف، وهذه للابتلاء والامتحان. ليترتب على ذلك الثواب أو العقاب.
(40) آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلا من عنده:
كل ما سبق ذكره من أول العقيدة إلى آخرها، ندين لله به، وليس مجرد كلام بألسنتنا، بل هو من قلوبنا.
(41) وأن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله:
¥