فالمصطفى هو المختار؛ لأن الله سبحانه اختار محمداً عليه الصلاة والسلام للرسالة من بين قومه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلا يختار إلا من يعلم أنه يستحق الاختيار، وأنه يقوم بالمهمة؛ لأن هذه المهمة صعبة وعظيمة، فلا يختار الله إلا من هو لها أهل، قال سبحانه: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [الأنعام:124]. و (المجتبى) بمعنى المصطفى.
والنبي: من أوحى إليه الله بشرع ولم يُؤمر بتبليغه، والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وهذا أشهر ما قيل في الفرق بين النبي والرسول، ومعنى: أمر بتبليغه، أي: أمر بإلزام الناس وأن يقاتلهم على ما جاء به.
وكذلك النبي، يُوحى إليه ويدعو إلى الله عز وجل، ولكن يتبع من قبله من الأنبياء ويمشي على طريق من قبله، ولا ينفرد بشريعة خاصة، مثل أنبياء بني إسرائيل، جاءوا بالتوراة ودعوا إلى التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام.
و (المرتضى) بمعنى المجتبى والمصطفى، فالمرتضى بمعنى: أن الله ارتضاه.
(42) وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين:
هذه من صفاته عليه الصلاة والسلام.
خاتم الأنبياء، ومعنى (خاتم) الذي لا يأتي بعده نبي، وختام الشيء هو: الذي يُجعل عليه حتى لا يزاد عليه ولا ينقص منه، فالله ختم الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال جل في علاه: (ما كان محمداً أباً أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب:40]، فلا حاجة لمجيء نبي بعده؛ لأن القرآن موجود، والسنة النبوية موجودة، والعلماء الربانيون موجودون، يدعون إلى الله ويبصرون الناس؛ فدين محمد باقٍ إلى قيام الساعة لا يبدل ولا ينسخ ولا يغير؛ لأن الله سبحانه جعله صالحاً لكل زمان ولكل مكان، أما شرائع الأنبياء السابقين فتكون مؤقتة لأممهم في فترة من الفترات، ثم ينسخ الله تلك الشريعة بشريعة أخرى تتناسب مع الأمة الأخرى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) [المائدة:48]. كما قال تعالى: (لكل أجل كتاب) أي لكل كتاب أجل.
فدين الإسلام كامل لا يحتاج بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى رسول، والعلماء ورثة الأنبياء، فمن اعتقد أنه يأتي بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي فهو كافر بالله خارج من الملة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي كذبة يدعون النبوة من بعده، قال عليه الصلاة والسلام: "سيأتي بعدي كذابون ثلاثون، كلهم يدعي أنه نبي، وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي" ().
فمن ادعى النبوة أو ادعيت له النبوة ومن اتبعهم، فكلهم كفرة، وقد قاتلهم المسلمون وكفّروهم، وآخر من ادعى النبوة في الوقت الحاضر: القادياني الباكستاني الذي ادّعى النبوة له أتباعه القاديانية، ويُسمون بالأحمدية نسبة إلى اسمه؛ لأن اسمه أحمد القادياني، وقد كفره العلماء وطردوه من البلاد الإسلامية، وكفَّروا أتباعه؛ لأن هذا تكذيب لله ولرسوله، وتكفيرهم بإجماع المسلمين، لم يخالف في هذا أحد.
فلابد للمسلم أن يعتقد أنه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام الأتقياء؛ يعني القدوة الوحيد للأتقياء الذين يتقون الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) [الأحزاب:21]
أما غير النبي صلى الله عليه وسلم فيقتدى به إن كان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما من خالف الرسول عليه الصلاة والسلام فلا يجوز الاقتداء به: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [آل عمران:31]، فلا طريق إلى الله إلا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والاقتداء به.
"وسيد المرسلين" هو عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم، كما قال عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" () أخبر الأمة بذلك من باب الشكر لله عز وجل، ولتشكر الأمة ربها عز وجل على هذه النعمة: أن جعل رسولها سيد الرسل.
و"سيد" معناه: المقدم والإمام، فهو أفضل الرسل عليه الصلاة والسلام، وإمامهم ومقدمهم.
¥