تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهو كلام الله، منه بدأ سبحانه، لم يأخذه جبريل من اللوح المحفوظ كما يقوله أهل الضلال، ولم يكن من كلام جبريل ولا محمد، إنما هو من كلام رب العالمين. وأما جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام فهما مبلغان عن الله عز وجل، فالكلام إنما يقال ويضاف لمن قاله مبتدأ، لا من قاله مبلغاً ومؤدياً.

فمن قال: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، أو: إن الله خلقه في شيء وأخذه جبريل من ذلك الشيء، فهو كافر بالله عز وجل كفراً مخرجاً من الملة، كما تقوله الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم، فهو كلام الله، حروفه ومعانيه، تكلم الله به كيف شاء، فنحن نصف الله بأنه يتكلم، والكلام من صفاته الفعلية، والكيفية التي تكلم بها نقول: الله أعلم بها، هذه كسائر صفاته، نؤمن بها ولا نعلم كيفيتها، فالمعنى معروف، وأما الكيفية فهي مجهولة لنا.

(46) منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً:

أي: أن القرآن نزل من الله، تكلم الله به وأنزله، لم ينزل من غيره ولم يبدأ من غيره، ليس كما يقولون: إنه بدأ من جبريل، أو من اللوح، أو من الهواء، إنما بدايته من الله، وسمعه جبريل وبلغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحياً، والنبي عليه الصلاة والسلام بلغه للناس، ولو كان هذا القرآن من كلام البشر لاستطاع أحد من الناس أن يأتي بسورة من مثله، فلما عجزوا عن ذلك دل على أنه من كلام الله عز وجل، قال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين) [البقرة:23]، وقال سبحانه وتعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات) [هود: 13] فعجزهم الله بذلك، مع أنهم عرب فصحاء، والقرآن بلغة العرب، وبالحروف التي يتكلمون بها، وهم يحرصون على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان باستطاعتهم أن يعارضوا هذا القرآن، لما ادخروا وسعاً في ذلك، فلما عجزوا عن ذلك دل على أنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

(47) وصدّقه المؤمنون على ذلك حقاً:

فالمؤمنون بالله ورسوله يصدقون بأن القرآن كلام الله عز وجل، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما هو مبلغ عن الله.

وأما قول الله عز وجل: (إنه لقول رسول كريم*ذي قوةٍ عند ذي العرش مكين) [التكوير: 19،20] فالمراد بإسناده إلى جبريل هو من باب التبليغ؛ لأنه لا يمكن أن يكون القرآن من كلام الله ومن كلام جبريل، الكلام لا يكون إلا من واحد، فلا يمكن وصفه بأنه كلام أكثر من واحد، ونسبته إلى الله حقيقية، وأما نسبته لجبريل فمن باب التبليغ. وفي الآية الأخرى: (إنه لقول رسول كريم*وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون) [الحاقة:40،41] يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، فالإضافة إليه إضافة تبليغ. وقد أضافة سبحانه تارة إلى نفسه وتارة إلى جبريل وتارة إلى محمداً، والكلام الواحد لا يمكن أن يتكلم به أكثر من واحد. فتكون إضافة إلى الله إضافة ابتداء وهو كلامه وإضافته إلى جبريل ومحمد إضافة تبليغ.

(48) وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة:

ليس بالمجاز كما يقوله الجهمية والمعتزلة، هم يقولون: كلام الله، ولكن نسبته إلى الله مجاز؛ لأن الله خالقه، فإضافته إلى الله إضافة مخلوق إلى خالقه.

فنقول: كذبتم؛ لأن الإضافة إلى الله على نوعين: إضافة معانٍ، وإضافة أعيان:

النوع الأول: إضافة المعاني إلى الله مثل الكلام، فإضافة المعاني إلى الله إضافة صفة إلى موصوف، فالكلام والسمع والبصر والقدرة والإرادة إضافة صفة إلى موصوف؛ لأن هذه معانٍ لا تقوم بنفسها وإنما تقوم بالموصوف بها.

النوع الثاني: إضافة أعيان، مثل: بيت الله، ناقة الله، عبد الله. هذه إضافة مخلوق إلى خالقه، وفائدة الإضافة هنا التشريف والتكريم.

(49) ليس بمخلوق ككلام البرية:

أي كلام الله ليس بمخلوق. رداً على الجهمية والمعتزلة الذين يقولون: إن القرآن مخلوق؛ لأن الله عندهم لا يتكلم، على منهجهم في نفي الصفات كلها، فراراً –بزعمهم- من التشبيه؛ لأنهم لم يفرقوا بين صفات الخالق وصفات المخلوق ففروا من التشبيه الموهوم ووقعوا في التعطيل المذموم وهو شر منه، كالمستجير من الرمضاء بالنار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير