تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد نور الدين الشامي]ــــــــ[01 - 08 - 08, 03:19 ص]ـ

وبطلان الطريقة التحريفية والأمية، فالتحريفية لها الجهل المركب والكفر المركب، والأمية لها الجهل البسيط والكفر البسيط.

وقد ذم الله تعالى الطريقين في القرآن، فقال تعالى في الأولى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلا بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون * أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} [البقرة/75 - 77]. فهذه الطريقة المذمومة التي سلكها علماء اليهود وأشباههم في أنهم يحرفون كلام الله أو يكتمونه لئلا يحتج به عليهم في خلاف أهوائهم. فمن عمد إلى نصوص الكتاب والسنة فحرفها أو كتمها ففيه شبه من هؤلاء، كما تجد ذلك في كثير من أهل الأهواء، يكتم ما أنزل الله تعالى من الكتاب والسنة عمن يحتج بها على خلاف هواه، فيغل الكتب المسطورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، ويمنع تبليغ الأحاديث النبوية وتفسير القرآن المنقول، ولو قدر على منع القرآن لفعل، وما ظهر من ذلك حرفه عن مواضعه بتأويله على غير تأويله، ثم يعمدون إلى كتب يضعونها، إما منقولات موضوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والأئمة، فكم عند أهل الأهواء من الآثار المكذوبة، ويقولون: هذه منزلة من عند الله، إذ ما جاء به النبي فهو من عند الله، أو يضعون كلاماً ابتدعوه أو رأياً اخترعوه، ويسمونه مع ما وضعوه من المنقولات دين الله وأصول دينه وشرع الله والحق الذي أوجبه الله، وأكثرهم [يأخذ] على ذلك أعواضاً من مال أو رئاسة. ففيهم شبه من الذين قال الله فيهم: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما

(1/ 21)

يكسبون} [البقرة/79]. ولا ريب أن غالبهم ليس مثل اليهود، إذ لا يكون إلا من كان كافراً محضاً، لكن فيهم من الشبه بهم بقدر ما شاركوهم فيما ذمهم الله تعالى عليه. وقد يكون في الشخص أو الطائفة بعض المذموم من الخصال والأفعال التي هي مما ذم الله تعالى عليه أهل الكفر والنفاق، وإن كان فيه أيضاً ما يحمد عليه من الإيمان. هذه صفة من حرف التنزيل أو كتمه أو استدل بما وضعه (1) وابتدعه.

وأما المعرض عن الكلام في معناه بالكلية فقد قال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [البقرة/78]. والأماني التلاوة والقراءة، فهم لا يعلمون إلا مجرد تلاوته وقراءته بألسنتهم، يقيمون حروفه ويضيعون حدوده علماً وعملاً، لا يعرفونها ولا يعملون بها.

فهذه أربعة أمور ذمها الله تعالى: تحريف ما أنزله الله، وكتمانه، وكتابة ما ينسب إليه مما يخالفه، والإعراض عن تدبر كلامه. فمن الناس من يجمع الأربعة، وهم رؤوس أهل البدع وأئمتهم الذين وضعوا مذاهب تخالف الكتاب والسنة، وجعلوها من دين الله وأصول الدين وفروعه التي أوجب الله قولها واعتقادها، وقالوا عن الله: إن الله يأمر بهذا القول والاعتقاد وهذا العمل والاعتماد، فإخبارهم عن الله بإيجاب ذلك واستحبابه أعظم من مجرد إخبارهم عنه بأن ذلك جائز عند الله، إذ قد يجيء من عند الله ما لا يجب علينا به عمل، لكونه منسوخاً أو لكونه خبراً لا يجب علينا به عمل ونحو ذلك. وتحريفهم لنصوص الكتاب والسنة ظاهر، وكذلك كتمانهم ما يحتج به أهل الإيمان عليهم من الآثار


(1) في الأصل: "به ما وضعه".
(1/ 22)
المعروفة والكتب المنقولة نقلاً صحيحاً.
ثم إن هؤلاء لهم حالان: تارة يرون تحريف النصوص على وفق آرائهم، ويسمون ذلك تأويلاً، وتارة يرون الإعراض عن تدبرها وعقلها، ويسمونه تفويضاً. فهم بين التحريف والأمية، منهم من يوجب هذا، ومنهم من يوجب هذا، ومنهم من يستحب هذا، ومنهم من يستحب هذا، ومنهم من يوجب أو يستحب هذا لطائفة وهذا لطائفة، أو هذا في حال وهذا في حال.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير