تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا قال عبد الله بن مسعود: " إنكم في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه - وفي رواية: كثير فقهاؤه قليل خطباؤه - كثير معطوه قليل سائلوه، وسيأتي عليكم زمان كثير قراؤه أو خطباؤه قليل فقهاؤه قليل معطوه كثير سائلوه " (2). فبين أن الزمان المحمود هو الذي يكون [فيه] فقهاء يفقهون معاني القراءة والخطاب، أما كثرة من يقرأ القول ويتكلم بالخطاب بلا


(1) أخرجه الدارمي (294) والترمذي (2653) عن أبي الدرداء. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(2) أخرجه أبو خثيمة في العلم (109).
(1/ 25)
فقه فإن ذلك مذموم، ذكر هذا في نعت أبناء الدين، ثم قال في نعت أبناء الدنيا: إن المحمود كثرة المعطي وقلة السائل، لا كثرة السائل وقلة المعطي. فعلم أن ما أوجب ترك فقه القرآن فهو مذموم، فكيف بما أوجب تحريفه وتبديله!
واعلم أنه لما حرف من حرف من المنتسبين إلى العلم كثيراً من معاني القرآن، وجعلوا ذلك هو فقهه وفهمه ومعرفة معانيه في أصول دينهم وفروعه، ووضعوا من الكلام الذي ابتدعوه والكتب التي (1) كتبوها بأيديهم، وجعلوها مأموراً بها من عند الله أو مأثورة من عند الله، وكثر هؤلاء وكبر أمرهم = صار آخرون من المؤمنين الذين علموا بطلان ما ابتدعوه وتحريم ما قالوه وكتبوه ينهون عن ذلك كما أمر الله ورسوله، وينهونهم عما ابتدعوه من التأويل الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه، ويقولون: هذا بدعة وضلالة، والسلف لم يتأولوا هذه التأويلات، ورأى أولئك أن في هذه التأويلات من الفساد، ما لا تقبله العقول والقلوب، [و] من الاختلاق ما يوجب الافتراق والشقاق. وضعف أولئك المؤمنون عن تحقيق الإيمان بمعاني القرآن، إما في بواطنهم لما عارضوهم به من الشبهات، وإما في ظواهرهم لما قاموا به من المجادلات والمجالدات، أخلد الفريقان إلى الطريقة الأمية المتضمنة الإعراض عن معاني كثير من القرآن، وصار ممن يرى هذه الفتن والافتراق يصد قلبه عن تدبر القرآن وفهمه ومعرفة الحديث وعلمه، {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} [النساء/61] خوفاً من شبهات المنافقين التي يوحيها شياطين إنسهم وجنهم إلى قلبه،

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير