الحوض: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن له حوضاً () في يوم القيامة في المحشر يرده أتباعه الذين آمنوا به واتبعوه، فيشربون منه، فإذا شربوا منه شربة واحدة لم يظمؤوا بعدها أبداً، وذلك لأن يوم القيامة يوم شديد وعصيب وفيه حر شديد.
فيحصل الظمأ الشديد، فجعل الله هذا الحوض غياثاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يغيثهم به، ومعلوم أن الغيث الذي ينزله الله من السماء تحيا به الأرض وتحيا به النفوس، فكذلك الحوض فإنه غياثٌ يغيث الله به العباد عند شدة حاجتهم إلى الماء.
والحوض هو مجمع الماء، وقد وصفه عليه الصلاة والسلام بأنه حوض عظيم طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، وأن من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل ().
وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه يرده أقوامٌ ثم يذادون ويمنعون من الشرب منه، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يارب، أمتي، أمتي" فيقول الله عز وجل: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" فيقول عليه الصلاة والسلام: "سُحقاً وبُعداً لمن بدّل وغير" ()، ويمنع من وروده أهل البدع المضلة المخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كفروا وارتدوا على أعقابهم، تاركين السنة، وذاهبين بأهوائهم وآرائهم المذاهب المنحرفة، هؤلاء يمنعون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم بدلوا وغيروا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرده إلا من كان متبعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً، وبعض العلماء يرى أن الكوثر المذكور في قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) [الكوثر:1] هو الحوض، وبعض العلماء يرى أن معنى الكوثر: الخير الكثير، ولا شك أن الحوض يدخل في هذا الخير الكثير؛ لأنه خير لهذه الأمة ()، فهذا هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان به واعتقاده، وأن يتمسك الإنسان بالسنة، حتى يرد هذا الحوض، ولا يُردّ عنه يوم القيامة.
(84) والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما رُوي في الأخبار:
الشفاعة أيضاً من مسائل العقيدة المهمة ()؛ لأنه قد ضل في إثباتها أناس، وغلا في إثباتها أناس، وتوسط فيها أناس.
فالشفاعة يوم القيامة الناس فيها على ثلاثة أقسام:
قوم غلوا في إثباتها حتى طلبوها من الأموات ومن القبور ومن الأصنام والأشجار والأحجار (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) [يونس:18]، (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) [الزمر:3].
وطائفة غلت في نفي الشفاعة كالمعتزلة والخوارج، فإنهم نفوا الشفاعة في أهل الكبائر، وخالفوا ما تواترت به الأدلة من الكتاب والسنة في إثبات الشفاعة.
وأهل السنة والجماعة توسطوا فأثبتوا الشفاعة على الوجه الذي ذكره الله ورسوله، وآمنوا بها من غير إفراط ولا تفريط.
والشفاعة في اللغة مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، فالوتر هو الفرد الواحد. والشفع هو أكثر من واحد، اثنين أو أربعة أو ستة، وهو ما يسمى بالعدد الزوجي.
وشرعاً: الوساطة في قضاء الحاجات، وساطة بين من عنده الحاجة وصاحب الحاجة، وهي على قسمين: شفاعة عند الله، وشفاعة عند الخلق.
فالشفاعة عند الخلق على قسمين:
شفاعة حسنة، وهي الأمور الحسنة النافعة المباحة، تتوسط عند من عنده حاجات الناس من أجل أن يقضيها لهم، قال سبحانه: (من يشفع شفاعةً حسنة يكن له نصيب منها) [النساء:85]، وقال عليه الصلاة والسلام: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء" (). هذه شفاعة حسنة وفيها أجر؛ لأن فيها نفعاً للمسلمين في قضاء حاجاتهم وحصولهم على مطلوبهم الذي فيه نفع لهم، وليس فيها تعدّ على أحد أو ظلمٌ لأحد.
والقسم الثاني: شفاعة سيئة، وهي التوسط في أمور محرمة، كالشفاعة في إسقاط الحدود إذا وجبت، وهذا يدخل فيمن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لعن الله من آوى محدثاً" (). والشفاعة أيضاً في أخذ حقوق الآخرين وإعطائها لغير مستحقها، قال تعالى: (ومن يشفع شفعة سيئة يكن له كفلٌ منها) [النساء:85].
¥