ويؤيد هذا، ما أخرجه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في سبب النزول، عن جابر قال: إن اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل الله:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [0 أي كيف شئتم من قيام وقعود واضطجاع، أو من ورائها في فرجها 0
(1) التلخيص الجبير لابن حجر: 182/ 3، سيأتي التفصيل في حقيقة مذهب الشافعي فيما بعد إن شاء الله، وكلام الأئمة على هذا الجواز 0
(2) بل زعم الإمام ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب (جماع النسوان وأحكام القرآن) قلت: كلام ابن العربي فيه مبالغة شديدة، إذ لم ترو إباحته إلا عن فئة قليلة من الصحابة، وبعضهم مختلف في روايتها عنهم كما قال أهل العلم 0
فائدة: أشار ابن العربي في أحكام القرآن إلى الخلاف، دون أن يحقق المسألة أو يرجح أحدهما على الآخر، وكأنه رحمه الله يميل إلى القول القديم لمالك رحمه الله 0
قال ابن حجر في التلخيص: وفي كلام ابن العربي والمازري ما يوميء إلى جواز ذلك أيضاً 0
(3) قاله الإمام القرطبي: 1/ 901 0
ثم كيف تفسرون (أنى) بأن معناها (أين) فصار المعنى: فأتوا حرثكم أيِّ مكان شئتم، فحدث التناقض بين أولها وآخرها، حيث سمى المرأة حرثاً ومكانا لإزراع النسل، وأباح إتيانها في مكان ليس محلاً للزرع (1) 0
¨ أما الرد على الشبهة الثانية: بين كلمتي (من) و (في) في حديث ابن عمر: " أن رجلاً أتى امرأته في دبرها " 0
قال ابن القيم رحمه الله: " ومن هنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف، والأئمة فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبُر طريقاً إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فأشبه على السامع " من " بـ " في " ولم يظن بينهما فرقاً 0
فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه " (2) 0
أما قوله:] أَتَأْتُونَ الْذُكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ [(3). فمعناه: أتأتون المحظور من الذكران، وتذرون المباح من فروج النساء 0
وقوله:] هُنَّ لِبَاسُُ لَكُمْ000 [ففيه تأويلان:
أحدهما: أن اللباس السكن 0 كقوله تعالى:] وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْلَّيْلَ لِبَاساً [(4) 0
والثاني: أن بعضهم يستر بعضاً كاللباس، وليس في ذلك على التأويلين دليل لهم 0
وأما فساد العقد باستثنائه وسراية الطلاق به، فقد يفسد العقد باستثناء كل عضو لا يصح الاستمتاع به من فؤادها، وكبدها، ويسري منه الطلاق إلى جميع بدنها ولا يدل على إباحة الاستمتاع به، فكذلك الدبر 0
(1) هذا حلال وهذا حرام، لعبد القادر أحمد عطا: ص 243 0
(2) زاد المعاد، لابن القيم: 4/ 240 0
(3) الشعراء [165 – 166].
(4) الفرقان [47].
وأما استدلالهم بما يتعلق به من كمال المهر، وتحريم المصاهرة، فغير صحيح، لأن ذلك يختص بمباح الوطء دون محظور، ألا تراه يتعلق بالوطء في الحيض، والإحرام والصيام، وإن كان محظوراً، فكذلك في هذا (1) 0
أما فيما يتعلق بدليل المعقول الذي أورده الإمام الشافعي في الحوار الذي جرى بينه وبين الإمام محمد بن الحسن، فهو غير مسلم به، إذ المقصود من الآية الوطء في الفرج وليس الاستمتاع، والوطء بين الساقين أو الفخذين، أو تحت الإبط لايعد وطءاً في الفرج، إنما هو استمتاع، ففرق بينهما 0 ثم لو كان الوطء في الدبر مباحاً لأرشد به النبي r الرجال عندما تكون الزوجة حائضاً كبديل مشروع للقبل 00 والله أعلم0
كما أنه 00 لا دليل لما ذهب إليه الإمامية على خلاف في مذهبهم من جواز الوطء في الدبر، بل هو مخالف للأدلة الشرعية والعقلية 0
وكذا ماذهب إليه بعض الإباضية من القول بالكراهة وعدم التحريم 0
¨ هل أفتى إمام دار الهجرة بالجواز، وكذلك الإمام الشافعي، وما صحة رواية ابن عمر؟:
يستند من يرى إباحة وطء المرأة في دبرها أو على الأقل من يرى أن المسألة خلافية بين أهل العلم يسوغ فيها الاجتهاد إلى أقوال مَنْ نُقِلَ عنهم الجواز وعلى رأسهم من الصحابة ابن عمر ومن العلماء الإمامان مالك والشافعي رحمهم الله جميعاً 0
¥