فهذا هو الثابت عن ابن عمر، ولم يفهم عنه من نقل عنه غير ذلك 0 انتهى 00
ثم قال: " فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر، وهو الذي رواه عنه نافع 0 وأخطأ من أخطأ على نافع، فتوهم أن الدبر محل الوطء لا طريق إلى وطء الفرج 0 فكذبهم نافع 0 وكذلك مسألة الجواري 0 إن كان قد حفظ عن ابن عمر أنه رخص في الإحماض لهن، فإنما مراده إتيانهن من طريق الدبر، فإنه قد صرح في الرواية الأخرى بالإنكار على من وطئهن في الدبر، وقال (أو يفعل هذا مسلم)؟! فهذا يبين تصادق الروايات وتوافقها عنه " 0
ثم يقول ـ رحمه الله ـ: " والذي يبين هذا ويزيده وضوحاً: أن هذا الغلط قد عرض مثله لبعض الصحابة حين أفتاه النبي r بجواز الوطء في قبلها من دبرها، حتى بين له r بياناً شافياً 000 فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقاً إلى موضوع الوطء، أو هو مأتى 0 واشتبه على من اشتبه عليه معنى " من " بمعنى " في " فوقع الوهم (1) 0
¨ فالخلاصة:
أن حديث ابن عمر الذي يحتمل الإباحة، ثابت وصحيح، غير أن متنه معارض، فيقدم قول ابن عمر بالتحريم الذي لا يقبل أي احتمال 0
ولهذا قال الحافظ ابن كثير " 000 وهذا نص منه ـ أي ابن عمر ـ بتحريم ذلك، فكل ماورد عنه مما يحتمل ويحتمل، فهو مردود إلى هذا الحكم " (2) 0 والله تعالى أعلم 0
فقد روى الطبري عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك أنه أباحه، وروى الثعلبي في تفسيره من طريق المزني، قال: كنت عند ابن وهب وهو يقرأ علينا رواية مالك، فجاءت هذه المسألة، فقام رجل فقال: يا أبا محمد ارو لنا مارويت، فامتنع أن يروي لهم ذلك 0 وقال: أحدكم يصحب العالم، فإذا تعلم منه لم يوجب له من حقه مايمنعه من أقبح مايروى عنه، وأبى أن يروي ذلك 0
(1) تهذيب السنن ـ بحاشية معالم السنن ـ لابن القيم: 3/ 790 0
(2) وهذا الذي أيده الإمام الشنقيطي رحمه الله في " الأضواء ": 1/ 124 ـ 128 0
¨ أما إمام دار الهجرة مالك ـ رحمه الله ـ فله قولان:
¨ روي عنه القول بالإباحة، من رواية عطاف بن موسى، عن عبدالله بن الحسن، عن أبيه أنه حكى عن مالك إباحة ذلك 0
وروي عن مالك أنه قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك أنه حلال0 وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك 0
قال ابن العربي في " أحكام القرآن ": " 000 وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب (جماع النسوان وأحكام القرآن) وأسند جوازه إلىزمرة كريمة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك روايات كثيرة " 0
وعزى هذا القول عنه إلىكتاب " السر " له (1) 0
وفي مختصر ابن الحاجب عن ابن وهب عن مالك إنكار ذلك، وتكذيب من نقله عنه 0
قال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا عَليَّ، كذبوا علي، ثم قال: ألستم قوماً عرباً، ألم يقل الله تعالى::] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ [0 وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت؟! (2) 0
وعن عبدالرحمن بن القاسم أن شرطي المدينة دخل على مالك بن أنس رحمه الله تعالى فسأله عن رجل رفع إليه أنه قد أتى امرأته في دبرها، فقال مالك: " أرى أن توجعه ضرباً فإن عاد إلى ذلك ففرق بينهما " (3) 0
(1) أنكر الإمام القرطبي أن يكون له كتاب اسمه " السر "، وأثبته ابن حجر في التلخيص، قال: قلت: وكتاب السر وقفت عليه في كراسة لطيفة من رواية الحارث بن مسكين عن عبدالرحمن بن القاسم عن مالك، وهو يشتمل على نوادر من المسائل، وفيها كثير مما يتعلق بالخلفاء، ولأجل هذا سمي كتاب السر 0
(2) تفسير القرطبي: 1/ 903 0
(3) المدخل لابن الحاج: 2/ 196 ـ 197 0
وأما مارواه أبو بكر بن زياد النيسابوري قال: " حدثني اسماعيل بن حصن، حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس: ماتقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ لا تعدو الفرْج، قلتُ: يا أبا عبدالله إنهم يقولون إنك تقول ذلك؟ قال: يكذبون عَليَّ، يكذبون عليَّ " (1) 0
لكن الحافظ ابن حجر قال: " لكن الذي روى عن ابن وهب غير موثوق به (يقصد التكذيب) والصواب ماحكاه الخليلي (يقصد به القول بالرجوع) " (2) 0
¥