فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ: " اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ".فَفَعَلَ. فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا وتنابذوا، حَتّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيّيْنِ عَلَى الرّكْبِ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ الْأَوْسِ، وَجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا، ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً [يعني إن شئم رددنا هذه الحرب من جديد]! فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا! < o:p>
وتواعدوا على أن يلتقوا في يومهم ذاك بموضع (الحرة) واندفعوا في دروب المدينة يتداعون إلى الحرب وهم يتصايحون: السلاح السلاح.< o:p>
وجمت دار الهجرة وهي تسمع صيحة الحرب.< o:p>
وكادت أن تقوم الحرب الأهلية. < o:p>
وجاء النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - في جماعة من الْمُهَاجِرِينَ، فأدرك الأوس والخزرج في الحرة وقد هموا بقتال.< o:p>
فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ!! اللّهَ اللّهَ!! أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟!! " [ابن هشام 1/ 554، 555] < o:p>
فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ أعدائهم الخونة، وتذكروا ميثاق الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية الذي أخذه رسول الله عليهم، فَبَكَوْا، وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ أَطْفَأَ اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ اليهود. < o:p>
وصدق الله القائل عن اليهود:< o:p>
" كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" [المائدة:64] < o:p>
" عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ " .. لا عهد ولا زمة< o:p>
فلم يحترموا ذمة، ولم يصونوا عهدًا .. لا في قديم ولا في حديث < o:p>
فنقضوا العقود، وأفشلوا المواثيق .. وانظر حالهم في القديم وفي الحديث، وكيف يبدأ المفاضون معهم من نقطة الصفر في كل مرة، فكل عهد جديد ينسخ ما مضى من عهود، وكل ميثاق حديث يزيل ما مضى من مواثيق، وجديد العقود كقديمها، فلا يقر لهم عهد، ولا يثبت لهم عقد! < o:p>
" أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ".< o:p>
" الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ " [الأنفال:56] < o:p>
" عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ " .. الخيانة والغدر< o:p>
فجيشوا الجيوش لقتال الموحدين، واشتغلوا جواسيس ومخبرين ومرشدين للوثنين في مكة، وزكَّوا عبادة الأوثان على الإيمان .. < o:p>
وحاولوا اغتيال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكثر من مرة، منها مرة كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عندهم ضيفًا في ديار بني النضير .. < o:p>
وكانوا هم أصحاب فكرة جيش الأحزاب، فتحرك قادة اليهود وداروا في الجزيرة العربية، لتهييج العرب الوثنيين على المسلمين، فستجابت قريش وغطفان، وبنو فزارة وبنو مرة، وأشجع واتجهت جيوش الأحزاب نحو المدينة وكانت عدتهم عشرة آلاف، وعدة المسلمين ثلاثة آلاف، وكان حُيي بن أخطب أحد اليهود الذين هيجوا قريشًا والأحزاب ضد المسلمين، وقد ذهب إلى كعب بن أسد سيد بني قريظة يطلب إليه نقض العهد مع المسلمين ففعلت بنو قريظة الخيانة، وتحولت هذه القبيلة عن بكرة أبيها إلى طابور خامس تمد الوثيين بالمعلومات والأخبار عن المسلمين
¥