تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القرآنُ الكريم بمنزلة «المتن» وكل من الحديث الشريف والفقه بمنزلة شرح له؛ من هنا قال الفقهاء: «القياسُ مُظْهِرٌ لا مُثْبِتٌ» أي إنّ كلاًّ من الحديث والفقه أظهر مَعَاِنِيَ القرآن ومَطَالِبَه؛ فمثلُ ذلك مثل صندوق مُقْفَل عليه، ففُتِحَ بالمفتاح، فظَهَرَ ما بداخله من الجواهر؛ فالجواهِرُ لم تَنْشَأْ بالمفتاح، وإنما كانت مَخْفِيَّةً في الصندوق، فأَظْهَرَها المفتاح؛ فالحديث والفقه مفتاحٌ للقرآن، يفتح ما فيه من الخزائن؛ حيث إن العلوم إنما تفجّرت من القرآن الكريم. ومثاله ما قال الشاعر:

عِبَارَاتُنَا شَتَّى? وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ

وَكلُّ إِلَى? ذَاكَ الْجَمَالِ يُشِيْرُ

هناك حبيبٌ – مثلاً – يرتدي في الصباح ملابس خضراء خضرة خفيفة، وفي المساء ملابس بغير هذا اللون، وهكذا استبدل بها غيرَها في شتى الأوقات؛ فغيرُ المحبّ لن يعرفه في هذه الملابس المختلفة الألوان؛ ولكن المحبَّ يقول كما قال الشاعر الفارسيّ:

مهما ارتديتَ من الملابس المختلفة الألوان؛ فإني أعرف أُسْلوبَ خطو قامتك (فلن تَلْتَبِس عليّ معرفتُك).

فالذي يحبّ القرآن، يعلم أن كلاًّ من الحديث والقرآن مُتَفَرِّعٌ منه؛ فكان الشيخ محمد مظهر النانوتوي رحمه الله (1232 - 1302هـ = 1816 - 1886م) يقول للشيخ الكبير رشيد أحمد الكنكوهي رحمه الله (1244 - 1323هـ = 1829 - 1905م): إن الحديث قد يصير لديك فقهًا حنفيًّا؛ فهؤلاء العلماء المتعمِّقون يَتَراءَى? لهم الفقهُ في الحديث. كما كان العلماء الربّانيون يرون صنعَ الله في كل شيء، ولكنهم كانوا لايرونه تعالى مُتَمَثِّلاً فيه كما يزعم المشركون. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

الناسُ لايبالون اليوم بالمندوبات؛ فلا يهتمُّون بتعلّمها وتعليمها

الناسُ عادوا اليوم لايهتمُّون بالمندوبات، وإن كانت هي لاتبلغ درجةَ الواجبات والفرائض في الواقع العمليّ؛ ولكنها واجبة فيما يتعلق بالتعلّم والتعليم. وذلك لسببين، الأول: لكي يعلم الناس أنها مندوبات فلا يظنّونها واجبةً، ولا يظنونها غيرَ مشروعة، وتلك حاجةٌ مُلِحَّةٌ لإصلاح العقيدة. وبناءً على ذلك وجب العلمُ بالمباحات والمستحبّات. والثاني: لأن بركاتها وثمراتها غير قابلة للحصر، فلا يرغب عنها إلاّ من ليس لديه علمٌ بها؛ فإن علمتَ بما فيها من البركات والثمرات الحسنة، لقلتَ: و أسفى على أنّي ما علمتُ بها فكنتُ في خسارة أيّ خسارة؛ حيث ما جَنَيتُ هذه الجواهرَ الثمينةَ. وتلك حاجة كماليّة فهي غير مُلِحَّة. فالمستحباتُ التي ذَكَرَها القرآنُ ليست دونما فائدة، وإنما جَاءَ ذكرُها تعليمًا لها. وذكرُها من هذه الناحية واجبٌ. ولو أَحَبَّ الدينَ أحدٌ لعَرَفَ قيمة هذه المندوبات وغيرها؛ لأن المحبّ من عادته أنه يتحسّس كلَّ شيء – مهما كان تَافِهًا – يحبّه الحبيب، فإذا علم ما يحبّه حَاوَلَ أن يأتيَه كلَّه، ولا يفوته شيء يحبّه هو. ولو حَظِيْنَا بهذا السلوك الذي يَحْظَى? به المحبّون الصادقون لعلمنا مدى قيمة هذه المندوبات، ولأدركنا أن ذكر الله لها رحمة بنا كبيرة، وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم لها حبٌّ لنا أيّ حبّ، ولآمنّا أن في تفصيلهما لنا كبيرُ فائدة وعظيمُ منّة؛ حيث ذَكَرَا لنا كلّ شيء فيه رضاه تعالى. ولو اكتفتِ الشريعةِ بذكر الواجبات والفرائض، ولم تذكر المستحبات، لقلق المحبّون والمؤمنون الصادقون؛ لأن المحبين لا يقتصرون على الواجبات التي يرونها وظيفةً لهم لافكاك لهم منها، وإنما يبتغون ماوراءها من غير الواجبات التي تُقَرِّبُهم إلى الحبيب زُلْفَى?. ألا ترى أن خادمك الذي يعمل براتب شهريّ، يكتفي بالواجبات المُحَدَّدَة ولا يزيد عليها شيئًا، أما خادمك الذي رَبَّيْتَه منذ الصغر، فهو يفديك بنفسك؛ فهو لا يكتفي بالواجبات المفروضة عليه، وإنما يعمد إلى كل ما يرضيك ويُقرِّبُه إليك؛ فهو يغمز رجليك، ويهزّ عليك المِرْوَحَةَ، ويُهَيِّء لك كل ما تحتاج إليه منذ استيقاظك من النوم، ولا يُفَكِّر قطّ أن هذه الأعمال ليست من وظيفته، فلماذا يقوم بها؟ إن فداءه لك، واطّراحه عليك، وحبّه الخالص لك يدفعه إلى أن يعمل كلَّ ما تحبّه أنت من صغار الأعمال وكبارها.

* (مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند، الهند. ذو القعدة 1428هـ = نوفمبر - ديسمبر 2007م، العدد: 11، السنة: 31.)

ـ[الطيماوي]ــــــــ[26 - 08 - 08, 01:41 ص]ـ

ما أرورعه من مقال خاصة

القرآن الكريم بمنزلة المتن والحديث والفقه بمنزلة شرح له

ـ[ابو عبد المحسن]ــــــــ[26 - 08 - 08, 02:29 ص]ـ

السلام عليكم

حمل الآن المجلة من المرفقات وتصفحها مباشرة من دون برامج

ـ[أبو عبد الله التطاون]ــــــــ[30 - 08 - 08, 03:01 م]ـ

جزاكم الله خيرا

ـ[محمد مبروك عبدالله]ــــــــ[15 - 09 - 08, 11:27 م]ـ

أخي أبا عبد المحسن

كيف يصنع مثل هذا المجلد لمجلة الداعي دون الحاجة إلى برامج؟

جزيت خيرا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير