حملوا كتابي الجديد ((القُدْوَةُ الحَسَنَةُ وأَثَرُها في بِناءِ الجِيلِ)) للشاملة 3 + ورد مفهرساً
ـ[علي 56]ــــــــ[05 - 10 - 08, 04:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى القدوة الحسنة، الذين هم بناء الجيل، وهداة الطريق، ومنار السبيل.
ويمكن إجمال أهمية القدوة الحسنة في الأمور التالية:
1 - إنَّ المثال الحي والقدوة الصالحة يثير في نفس البصير العاقل قدراً كبيراً من الاستحسان والإعجاب، والتقدير والمحبة، فيميل إلى الخير، ويتطلع إلى مراتب الكمال، ويأخذ يحاول يعمل مثله حتى يحتلَّ درجة الكمال والاستقامة.
2 - إنَّ القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل والأعمال الصالحة من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
3 - إنَّ الأتباع والمدعوين الذين يربيهم ويدعوهم الداعية ينظرون إليه نظرة دقيقة دون أن يعلم هو أنه تحت رقابة مجهرية، فربَّ عمل يقوم به من المخالفات لا يلقي له بالاً يكون في نظرهم من الكبائر، لأنهم يعدونه قدوة لهم.
4 - الفعل أبلغ من القول: إن مستويات الفهم للكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع يستوون أمام الرؤية بالعين المجردة، وذلك أيسر في إيصال المفاهيم التي يريد الداعية إيصالها للناس المقتدين به، وفي هذا أمثلة كثيرة أذكر منها:
فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ حَدِيثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ قَالاَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِى بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِى الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْهَدْىَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِى نُزُولِهِ أَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ فِى مَجِىءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَمَا قَاضَاهُ عَلَيْهِ حِينَ صَدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا». قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ هَدْيَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ لِبَعْضٍ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا. صحيح البخارى (2731 و2732)
فدلَّ ذلك كله على أهمية القدوة، وعظيم مكانتها.
5 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم- قد حذر الدعاة من المخالفة لما يقولون، فبين - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف حال الدعاة الذين يأمرون الناس وينهونهم وينسون أنفسهم، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ، تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلاَ يَعْقِلُونَ. مسند أحمد (12540) حسن.
ولا يقتصر الخطر على الداعية وعلى دينه؛ بل يتعدى إلى كل من يدعوهم، فليحتاط الداعية لهذا الأمر المهم، ويراقب أفعاله وأقواله، وليُري الله - تعالى- من نفسه خيراً.
¥