وقال -صلى الله عليه وسلم- وهو حاملٌ الحسن على عاتقه: "اللهم إني أحبُّه فَأَحِبَّهُ".
أخرجه البخاري: رقم (3749).
وهذا يعني أنّ هذا السيّد قد حَطَ رحاله في الجنّة من حين وفاته –رضي الله عنه- وأنه لا سبيل إليه إلا بالإجلال والتوقير، الذي هو أعلى من إحسان الظن بكثير.
فليُرِحِ امْرُؤٌ نَفْسَه من عناء الشُّبهة، وليُزِحْ عنه غَمَّ الريبة، بقراءة تلك النصوص القاطعة بجلالة هذا السيّد الخليفة الراشد –رضي الله عنه-.
أمّا مسألة الزواج والطلاق:
فمِما ينبغي على السائل تجاههما أن لا يَحْكُمَ عليها بحسب أعراف بلده وزمنه.
ولا يصح أن ينظر إليها نظرته إلى تقاليد أهل إقليمه، والمعاصرين له، وإلى عاداتهم فقط؛ فإن هذه الأمور الاجتماعيّة مما تتباين فيه الأعراف، وتختلف فيه التقاليد والعادات، من بلد إلى بلد، ومن جيل إلى جيل= تباينًا واختلافاً كبيرًا.
فما هو حسنٌ في بلد قد يكون قبيحًا في آخر، وما كان مقبولاً في زمن يصبح مرفوضاً بعده.
ولا يخفى ذلك على أحد، ولا يكاد يوجد إلا من رأى ذلك بنفسه، وعرفه بتجربته.
وفوق ذلك وإضافة إليه:
فإن مسألة الزواج والطلاق تختلفُ النظرة إليها أيضًا باختلاف الشخص نفسه، بالنظر إلى ظروفه الخاصّة؛ من الصحّة والقوّة، إلى المرض والضعف، ومن الغنى والفقر، ومن حُسْن توفيقه وابتلائه بعدم التوفيق، ومن طيب معشره في أثناء زواجه وبعد زواجه إلى خُبث معشره، أو عُسْر خُلُقه وشدّته ... إلى غير ذلك.
فأحكامنا -قبولاً أو رفضًا- على زواج المرء أو طلاقه، يختلف باختلاف أمثال تلك الأحوال.
فمثلاً: إذا كُنّا في تقاليدَ لا يُنْظَر فيها إلى المرأة المطلّقة نظرة أنها امرأةٌ من الدرجة الثانية أو العاشرة، أي: إذا كان الزواج من المطلّقة أمراً شائعاً لا يتردد الناس والشباب العَزِبون في السعي إليه وفي طلبه، هل سيكون استقباحُنا للطلاق حينها كاسْتِقْباحِنا له في مثل عامّة المجتمعات المدنيّة اليوم، التي تُعَدُّ فيها المرأة المطلقةُ وكأنها امرأةٌ معيبةٌ، فلا يُتاحُ لها الزواجٌ غالباً إلاّ من رجل لا يُلائم سنّها ولا ظروفها؛ لأنها لا تتوقع زوجًّا خيراً منه؟
وهذا الفارق بين مجتمع العرب (في الجاهلية وصدر الإسلام) ومجتمعنا متحقّقٌ، فقد كان التزّوُّجُ من المطلقة أمرًا شائعاً جدًّا، إلى درجة أنّ المرأة قد تتزوّج بالعديد من الرجال الذين يفارقونهن بموت أو طلاق، ممّا يدل على الاختلاف الكبير بين نظرنا للمطلقة، ونظر أهل ذلك الزمن.
ومن اللطيف في هذا السياق أن تعرف أن العرب خَصُّوا المرأة التي يتزوّجها العديد من الرجال بعد مفارقتهم واحدًا تلو الآخر باسم (المرْدِفة)، وجمعها (المْردِفات)، مما يدل على شيوع هذه الصورة النادرة اليوم، بل التي لا تكاد توجد. فهي ليست مجرّد زواج من مطلقة، بل هي تعاقب زوجٍ بعد زوجٍ، إلى عددٍ منهم على التزّوج بتلك المطلقة.
ومن اللطيف البالغ اللطف، أن يكون هناك مؤلَّف لأحد الأخباريين الثقات في جمع بعض أسماء هؤلاء النسوة من قبيلة واحدة من قبائل العرب!
ذلك هو كتاب (المرْدِفات من قريش)
لأبي الحسن علي بن محمد المدائني (ت225هـ)، وهو كتابٌ مطبوع!!
كما أن بعض المجتمعات، وبعضَ الأسر يحول بين نسائها والزواج الفقرُ وضيق ذات اليد، فلا شبابها بالقادرين على تحمّل أعباء المنزل والأسرة، ولا لدى النساء ما يعينهنّ على مساعدة الخاطبين في ذلك. فإذا تزوّج بإحداهن رجلٌ ثريّ سخيّ، فأصدقها مهرًا كبيرًا، وأهداها هدايا جَزْلة.
ثم إذا طلّقها وفَّر لها سكناً ملكاً لها، وغير ذلك من العطايا=كان هذا العطاء سببًا في تقدُّم الخاطبين إليها، وكان ذلك داعيًا لحصول ما كانت تأمله من مساعدة الزوج على مسؤوليات الحياة. وهذا واقعٌ في بعض البلدان اليوم، وفي بعض الأسر.
فكان زواج ذلك الثريّ السخيّ، وطلاقُه إحساناً للمرأة، وليس إساءةً لها.
وقد كان الحسن –رضي الله عنه- من أحسن الناس حفظاً للعشرة، ومن أبذلهم للمال وأسخاهم فيه، وقد صحّ عنه أنه متّع إحدى مطلقاته بعشرين ألف درهم وغيرها من العطايا
(أخرجه عبد الرزاق: رقم (12256، 12257، 12260، والطبري في الكبير: رقم 2561، 2562، 2564).
¥