تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من واحد قبضة وترك الباقي فكانت تقول: سيدهم جميعاً الحسن وأسخاهم ابن عامر، وأحبهم إليّ عبد الرحمن بن عتاب [12]، وهذه القصة في إسنادها الهذلي وهو أخباري متروك الحديث وقال الذهبي مجمع على ضعفه [13].

2 ـ عن سحيم بن حفص الأنصاري، عن عيسى بن أبي هارون المزني، قال تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر [14]، وكان المنذر بن الزبير هَوِيَها، فأبلغ الحسن عنها فطلقها الحسن فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت: شهرني، فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب [15] فتزوجها فرقى إليه المنذر أيضاً شيئاً فطلقها، ثم خطبها المنذر فقيل لها: تزوجيه، فيعلم الناس أنه كان يعضهك [16]، فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها، فقال الحسن لعاصم بن عمر: انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل عليها، فدخل فكانت إلى عاصم أكثر نظراً منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث، فقال الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها، وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر، فقال الحسن يوماً لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن [17]، وحفصة عمته هل لك في العقيق [18]؟ قال نعم، فخرجا فمرا على منزل حفصة، فدخل إليها الحسن فتحدثا طويلاً ثم خرج، ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ فقال: يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة [19]؟، وفي إسناد هذا الحديث رجال لا توجد لهم ترجمة في كتب الجرح والتعديل ويكفي في ضعفه نكارة متنه [20].

3 ـ حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قال علي: ما زال الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة القبائل [21]، وهذا الأثر مرسل ضعيف [22].

إن الروايات التاريخية التي تشير إلى الأعداد الخيالية في زواج الحسن بن علي رضي الله عنه لا تثبت من حيث الإسناد وبالتالي لا تصلح للإعتماد عليها نظراً للشبه والطعون التي حامت حولها، ويؤيد افتعال تلكم الكثرة أمور منها:

1 ـ إنها لو صحت لكان للحسن بن علي رضي الله عنه من الأولاد جمع غفير يتناسب معها والحال الذي ذكر لها اثنان وعشرون ولداً ما بين ذكر وأنثى، وهذا العدد يعتبر طبيعي بالنسبة لذلك العصر ويتناقض كلياً مع تلك الكثرة ولا يلتقي معها بصلة.

2 ـ ومما يدل على وضع ذلك وعدم صحته ما روي أن أمير المؤمنين رضي الله عنه كان يصعد المنبر ويقول: لا تزوجوا الحسن فإنه مطلاق، كما ذكر ذلك صاحب قوت القلوب [23]، فنهي أمير المؤمنين الناس عن تزويج ولده على المنبر لا يخلو إما أن يكون قد نهى ولده عن ذلك فلم يستجب له حتى اضطر إلى الجهر به وإلى نهي الناس عن تزويجه، وإما أن يكون ذلك النهي ابتداء من دون أن يعرف ولده الحسن بغض والده وكراهية أبيه لذلك، وكلا الأمرين بعيدان كل البعد أما الأول، فهو بعيد لأن الحسن رضي الله عنه كان باراً بأبيه ولا يخالفه ولا يعصي أمره، وأما الثاني، فبعيد أيضاً لأن الأولى بأمير المؤمنين أن يعرّف ولده ببغضه وكراهته لذلك ولا يعلن ذلك على المنبر أمام الجماهير الحاشدة، مما يسبب اضطراب في العلاقات الأسرية بين الوالد وولده ومضافاً إلى ذلك أن الأمر إما أن يكون سائغاً شرعاً أو ليس بسائغ فإن كان سائغاً فما معنى نهي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإن لم يكن سائغاً، فكيف يرتكبه الحسن؟ إنا لا شك في افتعال هذا الحديث ووضعه من خصوم الحسن بن علي رضي الله عنه ليشوهوا بذلك سيرته العاطرة [24] والتي توجت بمساعيه في وحدة الأمة، وهذه عادة الرواة الكذبة في تشويه سيرة المصلحين وتاريخ الأمة ومن هنا تتضح أهمية علم الجرح والتعديل والحكم على الروايات والدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في بيان زيف مثل هذه الأخبار ولذلك ننصح الباحثين في تاريخ صدر الإسلام الاهتمام بنقد مثل هذه الروايات حتى يميزوا صحيحها من سقيمها فيقدموا للأمة خدمة جليلة ولا يتورطوا مثل ما تورط فيه بعض السادة الذين لا نشك في نواياهم بسبب اعتمادهم في بحوثهم على الروايات الضعيفة والموضوعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير