2 القسم الأول: هم من الثقات الحفاظ وهم الذين عرفوا بالحفظ والإتقان وندرة الخطأ، فهؤلاء يقبل تفرد التابعين منهم عن الصحابة وتفرد تابعي التابعين عن التابعين.
3 والقسم الثاني: هم من الثقات، وهم جماعة يوصف الواحد منهم بأنه ثقة، لكن ليس من الحفاظ المتقنين، وهم مع ذلك متوسطو المعرفة، أي المعرفة بنقد الحديث، فلا يؤمن أن يخطيء الواحد منهم، ولا ينتبه لذلك فهؤلاء يقبل تفرد التابعين منهم عن الصحابة ويتوقف في ما عدا ذلك.
ـ[عمر الصميدعي]ــــــــ[23 - 03 - 09, 03:10 م]ـ
فيلاحظ أن الذهبي سبر كلام الأئمة في استنكار ما يتفرد به الثقة فوجدهم يراعون أمرين:
2. قوة الراوي واشتهاره بالحفظ والضبط، فلا شك أن هذا يجبر ما يقع منه من تفرد
ومن هذا الباب قول مسلم: للزهري نحو تسعين حديثا يرويه عن النبي ? لا يشاركه فيه أحد، بأسانيد جياد.
11. طبقة الراوي، فلا شك إن التفرد يحتمل في رواية التابعي عن الصحابي، وكذلك مع الحفظ والضبط ـ يحتمل في رواية تابع التابعي عن التابعي، وأما بعد ذلك، أي في عصر انتشار الرواية، وحرص الرواة على التقصي والتتبع والرحلة إلى البلدان الأخرى بغرض الرواية وانتشار الكتابة، فإن وقوع التفرد وهو تفرد صحيح فيه بعد، فالغالب أن يكون خطأ من المتفرد، ولذا يستنكره الأئمة من الثقة الضابط أيضا.
وهذا الإمام مالك ـ وهو من هو في الحفظ والإتقان، ومن طبقة تابعي التابعين ـ ارتاب في سؤال أهل العراق له عن حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا (السفر قطعة من العذاب)،
فسأل عن ذلك فقيل له لم يروه عن سمي أحد غيرك، فقال (لو عرفت ما حدثت به) وكان مالك ربما أرسله لذلك. وقد قيل إنه قال ذلك في حديثه عن الزهري عن أنس في (دخول النبي ? مكة وعلى رأسه المغفر) وقد تفرد به عن الزهري، فكان يسأل عنه، وسمعه منه من هو أسن منه كابن خريج وغيره.
ومن طريف ما يذكر بهذه المناسبة ـ أي استبعاد وقوع التفرد في الطبقات المتأخرة، وهو صحيح ـ قصة أبي حاتم وهو عند أبي الوليد الطيالسي، قال أبو حاتم (قُلت على باب أبي الوليد الطيالسي من أغرب على حديثا مسندا صحيحا لم أسمع به فله علي درهم يتصدق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع به، فيقولون: هو عند فلان، فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليّ حديثا
ولا بد هنا من ملاحظة ما قد يكون في الراوي من تفصيل في بعض حالاته، أو في بعض شيوخه، فيكون التعامل معه في كل حال بما يناسبه، فلو كان في الأصل ثقة ثبت، لكنه صدوق أو نحوه في بعض شيوخه، فلا بد من مراعاة هذا، وهو أمر واضح، وإنما نبهت عليه هنا لكثرة إغفال ذلك من الباحثين.
ومن أهم ما يستدل به على خطا المتفرد ما يكون في متن حديثه الذي تفرد به من نكارة، فإن نكارة المتن قد تدفع الناقد إلى تضعيف الحديث بما لا يوجب ضعفه لولا هذه النكارة، ومن ذلك تفرد الثقة. ونكارة المتن لها دلائل، جمع ابن القيم قدرا منها في كتابه (المنار المنيف).
ثم عن ما ذكره مسلم والذهبي من عمل الأئمة هي ضوابط عامة، لا يفهم منها أنهم لا يستنكرون الحديث بالتفرد إلا مع وجودها، إذ هناك أمور دقيقة قد تصاحب التفرد توجب التوقف فيه واستنكار الحديث، وإن لم تتوفر الضوابط المذكورة , ولذا قال ابن رجب: أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات به الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه).
وما ذكره ابن رجب يمكن التمثيل بحديث:
شبابة عن شعبة عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر في الدباء والمزفت، الماضي ذكره قريبا، فإن شبابة أحد المكثرين عن شعبة، ولذا دافع عنه ابن المديني من هذه الجهة، غير أن الأئمة تواردوا على استنكار حديثه هذا،
¥