تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أي في حال الحكم على إسناد وقع فيه تفرد فما زال المتأخرون يبتعدون شيئا فشيئا عن منهج النقاد في هذه المسألة حتى أشرفوا في ذلك على الغاية في الوقت الحاضر فلا أثر لرد تفرد الثقة ومن في حكمه بل أكثرهم لا يبحث في ذلك أصلا ولا يعرج عليه، مع وجود نقد الحديث الذي بين يديه من النقاد الأوائل أو من بعضهم بالتفرد ومن يكلف نفسه بالنظر في اقوال النقاد فإنما يفعل ذلك لرده ومناقشته، كأن يقول بعد كلام الناقد: كذا قال، وفلان ثقة فلا يضر تفرده، أو يقول: قال فلان: لم يتابع عليه، نعم لم يتابع عليه فكان ماذا؟!، ونحو هذه العبارات ولا ذكر عندهم لنكارة المتون بل قال أحد فضلائهم إن البحث إنما هو في الإسناد، ولا ينظر في المتن إلا بعد النظر في الإسناد، لا من جهة الثبوت وعدمه، وإنما من جهة شرح معناه، والنظر بينه وبين غيره، هكذا يقول.

وسأعرض الآن نماذج تطبيقية توضح الفرق بين منهج المتأخرين ومنهج أئمة النقد.

فمن ذلك حديث حفص بن غياث عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (كنا نأكل على عهد رسول الله ? ونحن نمشي ... )

فقد استنكره على حفص بن غياث جمع من النقاد، وذكروا انه أخطأ فيه، فهذا الحديث اخرجه ابن حبان في صحيحه كما تقدم، وكذا توارد عدد من المشايخ المعاصرين على وصف الإسناد بأنه صحيح.

وحديث محمد بن حرب الأبرش عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (ليس من البر الصيام في السفر)، واستنكره أبو حاتم على محمد بن حرب، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه كما تقدم، وقال عنه البوصيري (إسناد صحيح، رجاله ثقات) , وكذا صححه جمع من المشايخ المعاصرين.

وحديث برد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة (كان النبي ? والباب مغلق عليه فجئت فاستفتحت ... ) الحديث استنكره الجوزجاني وأبو حاتم على برد بن سنان، كما تقدم وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه بعض المشايخ المعاصرين.

وهذه الأحاديث الثلاثة لم يذكر من صححها كلام أئمة النقد، ولا عرج عليه.

وروى ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله ? (من ملك ذا رحم محرم فقد عتق)

قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأحمد: فإن ضمرة يحدث عن الثوري عن عبدالله عن ابن عمر (من ملك ذا رحم محرم) فأنكره، ورده ردا شديدا، وقال: لو قال رجل هذا كذب لم يكن مخطئا)

وقال ابن القيم: قال الإمام احمد عن ضمرة: إنه ثقة، لألا أنه روى حديثين ليس لهما أصل، أحدوهما هذا الحديث) وقال الترمذي: بعد أن ذكره معلقا عن ضمرة (لم يتُابع ضمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث)

وقال النسائي: بعد أن أخرجه (لا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان غير ضمرة، وهو حديث منكر).

وعده الساجي في الأحاديث التي رواها ضمرة وهي مناكير.

وقال ابن المنذر: قد تكلم الناس في الحديثين اللذين روينا في هذا الباب، حديث ابن عمر لم يروه عن الثوري غير ضمرة، وحديث الحسن عن سمرة، وقد تكُُلم فيه، وليس منهما ثابت)

وقال البيهقي: وهم فيه راويه ... ، والمحفوظ بهذا الإسناد حديث (النهي عن بيع الولاء وعن هبته) فقد رواه أبو عمير عن ضمرة عن الثوري مع الحديث الأول.

فقد توارد هؤلاء الأئمة على استنكار الحديث وتضعيفه، لتفرد ضمرة بن ربيعة به عن سفيان الثوري، وضمرة وإن كان ثقة إلا إنه ليس من أصحاب الثوري المعروفين بكثرة الرواية عنه، ولهذا لا يذكره الأئمة عند كلامهم على اصحاب سفيان , وقد أشار البيهقي إلى سبب وهم ضمرة في حديثنا هذا، وهو انه دخل عليه حديث في حديث لأنه كان يروياهما جميعا، ثم عن الحديث لا يعرف عن عبد الله بن دينار وله أصحاب كثيرون ولا عن ابن عمر ـ و هو المعروف أيضا بكثرة أصحابه ـ إ لا من هذا الطريق، فهذا يدل على وهم ضمرة بن ربيعة كما ذهب إليه هؤلاء النقاد، وأصبح من اليسير فهم كلمة أحمد، وقوله إن من وصف هذا الحديث بأنه كذب لم يكن مخطأ، ومراده أن الوهم فيه من الظهور بحيث يتساوى في التضعيف والرد مع حديث الكذب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير