تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل تظنون أن على صديقي الذي يشغل منصب مدير دار الكتب، عليه أن يستقيل من منصبه، لأن الدار تحوي قصصا تافهة وأشعارا خليعة؟ أو أن يبقى في منصبه ويحرق كتب الفلسفة والشعر غير الملتزم؟

لقد سبق للفضلاء في الألوكة أن حذفوا (كتاب الأغاني) بعد رفعه، لما يحويه من شعر ماجن! وهو من عيون التراث الذي حرص العلماء والأدباء على مدار التاريخ على اقتنائه و مطالعته وحفظ الكثير من أشعاره! وكان ذلك منتهى التشدد منهم، لكن فعل ذلك منطقي؛ لأننا نعيش في عصر التشدد والتطرف.

كان الشيخ محمد الغزالي يحفظ الكثير من شعر كتاب الأغاني، وكذلك الشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ يوسف القرضاوي، ومعظم العلماء المشهورين في مصر، كلهم تثقفوا أدبيا ولغويا وشعريا على كتاب الأغاني، بل لم نقرأ فتوى لأحد العلماء على مدار التاريخ بتحريم قراءته أو اقتنائه إلا في عصرنا الحديث - عصر التطرف الديني - أما علماؤنا على مدار التاريخ، المالكية والشافعية والحنابلة والأحناف، على كثرة مؤلفاتهم وفتاواهم، لم يفتوا بهذه الفتوى المتطرفة.

والفتوى بعدم إنشاء دار كتب شاملة على الإنترنت فتوى متطرفة كفتوى كتاب الأغاني سواء بسواء.

وهل دور الكتب في العصر العباسي كانت مقتصرة على كتب الشريعة واللغة والشعر الملتزم فقط، أم أيضا على كتب الأدب – ككتاب الأغاني – وعلى كتب الفلسفة والاجتماع وغيرها؟

بعقليتهم هذه أنشأوا الحضارة الإسلامية، وبعقليتنا هذه نهدم حضارتنا الإسلامية.

أنا لا أقول هذا الآن لإنشاء (دار كتب أون لاين) ممثلة في مكتبة الإسكندرية، لأني أعلم أن الأمر ما دام قد وُضع (للاستفتاء) فلن يوافق عليه الكثيرون، لأننا نعيش في عصر زوال الحضارة الإسلامية، بسبب شيوع التطرف الديني ... نعم، إن التطرف الديني أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى الوضع الذي نحن فيه الآن، إلى جانب أسباب أخرى معروفة للجميع، ولا داعي للخوض في السياسة في المنتدى.

يا سيدي الفاضل، أنا آمر طلابي بالرجوع إلى كتاب الأغاني وقراءته من باب القراءة الحرة، وأضع الجوائز لمن قرأ أكثر من زملائه، وأشجعهم على القراءة والتثقف وحفظ الشعر وتحليله، ولا ألتفت إلى الوسوسة التي يلقيها الشيطان في القلوب بالتخويف من الإثم.

كيف ستعرف الصلة بين التصوف وبين الفلسفة اليونانية إذا لم ترجع لكتب التصوف وكتب الفلسفة اليونانية؟!

كيف ستقارن بين التفسير السني والتفسير الشيعي إذا لم تقرأ التفسير الشيعي؟!

وكيف سترجع إلى كتب التفسير الشيعي إذا لم تُعرَض على الإنترنت؟ هل سيسافر الدارس إلى إيران ليطّلع عليها؟ أم يرجع إلى (دار الكتب على الإنترنت) (مكتبة الإسكندرية مثلا) ليقرأ هذه التفاسير وتلك، يقارن، ويكتب أطروحته أو الكتاب الذي يؤلفه؟

يقولون: ليس كل من يدخل الملتقى من المتخصصين، ومن يريد كتابا فليطبه بالبريد الإلكتروني! وهل كل رواد مكتبة الإسكندرية من المتخصصين؟ هل كل رواد دار الكتب في أي بلد من المتخصصين؟ ومع ذلك تحتوي على جميع العلوم والآداب، العظيم منها والتافه، وهذه وظيفة دار الكتب، سواء الورقية أو الإلكترونية.

ثم لا معنى للقول بأن كتب الفلسفة والشيعة تُحجَب ومن يريد من المتخصصين كتابا فليطلبه بالبريد الإلكتروني مثلا! هذا قول من لا يعرف البحث العلمي ولا عاناه ... أنت عندما تريد أن تعمل دراسة مقارنة بين التفسير السني والتفسير الشيعي مثلا، لا تقرر ابتداءً أنك ستقارن بين تفسير الطبري وتفسير الطبرسي (مثلا)، بل تُقلِّب في تفاسير الشيعة، قراءة حرة بدون التزام بتفسير معين، فتقرأ هذا التفسير ولا يعجبك، وتقرأ ذلك التفسير فترى أنك لن تخرج منه بشغل محترم، حتى تقع على تفسير تجد فيه أوجها كثيرةً للنقد والمقارنة، ويطمئن قلبك على أن دراسته ستثمر بحثا قيما، فتأخذه وتعمل دراسة مقارنة بينه وبين ما تشاء من تفاسير أهل السنة، لكن في أول الأمر أنت تقلب في كل تفاسير الشيعة، وتقرأ فيها قراءة حرة، فلو لم تكن أمامك، لن تنهج ذلك النهج الذي وصفته آنفا ... فمن يرى عدم رفع تفاسير الشيعة والمعتزلة وكتب الفلسفة، وأن من يريد كتابا معينا لدراسته فليطلبه بالبريد، كلامه يخالف منهج البحث العلمي.

يا سادتي الفضلاء، هل ترون أن الدراسة التي قام بها شيخ الإسلام عن المذهب الشيعي، وردّ عليهم في (منهاج السنة)، قام بها بدون الاطلاع على الكثير من كتبهم؟ وهل لو كانت كتب الشيعة غير متوافرة له كان سيستطيع أن يقرأها ويرد عليها؟

وكم من العلماء الفضلاء اليوم يستطيعون كتابة بحوث قيمة مشابهة لو توافرت لهم المراجع والمصادر، أيكون توفير المراجع لهم حراما وإثما؟

إن تخصص الفلسفة يوجد في كل الجامعات العربية والدول الإسلامية، إلا المملكة التي نكن لها كل التقدير والاحترام، ولكن هل لأن المملكة لا تقوم بتدريس الفلسفة، تحرم طلاب (العالم الإسلامي كله) من الرجوع إلى كتبها التي يحتاجون إليها في دراستهم؟

أنا أعلم أن كلامي هذا لا ثمرةَ له، وأن (مكتبة الإسكندرية) لن تُرفع على الإنترنت، بسبب الخوف من الوقوع في الإثم، لكن صدقني يا أخي، هذا الخوف ما هو إلا (وسوسة) ألقاها الشيطان في القلوب لإقفال باب الخير عن كثير من الناس.

لكن إن خيَّرت العبد الفقير، فأقول: إن الخير كل الخير أن تُنشئ دارَ كتبٍ عربيةً لكل من يقرأ اللغة العربية في العالم كله، من الصين لأمريكا، ومن روسيا لجنوب أفريقيا، يجد فيها كل طالب علم مراجعه في العلم الذي يبحث فيه، وكلُّ إنسانٍ ونيتَهُ.

إذا استفيت (لجنة الإفتاء) في مصر، أو ليبيا، أو تونس، أو الجزائر، أو المغرب، أو السودان , أو سوريا، أو الأردن، أو لبنان، أو غيرها من الدول العربية، سوف تفتيك بأن هذا أمر حلال، لكنك تستفتي مَن يحرّم قرءاة كتب الفلسفة وكتاب الأغاني في حكم رفع كتب الفلسفة والأدب المشابه للأغاني!! فبماذا تتوقع أن يفتوك!

إن إنشاء دار كتب على الإنترنت عمل عظيم، سنتجنبه ولن نفعله، لأننا نعيش عصر زوال الحضارة الإسلامية لا ازدهارها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير