تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الذي يبدولنا- بعد تدبرنا لهذه السورة الكريمة- أنها يغلب عليها طابع القرآن المدني، الذي يتحدث عن الجهاد في سبيل اللّه، و عن الإنفاق من أجل إعلاء كلمته، و عن سوء مصير المنافقين، و عن إرشاد المؤمنين إلى كيفية إقامة الدولة القوية العادلة .. و هذا لا يمنع من أن يكون من بين آياتها ما هو مكي، متى ثبت ذلك عن طريق النقل الصحيح.

3 - و قد افتتحت السورة الكريمة ببيان أن اللّه- تعالى- قد نزهه عن كل ما لا يليق به، جميع ما في السموات و ما في الأرض، و أنه- عز و جل- هو مالكها، و هو الأول و الآخر، و الظاهر و الباطن و المحيي و المميت و الخالق لكل شي ء، و العليم بكل شي ء.


(1) تفسير الآلوسى ج 27 ص 164.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 194
قال- تعالى-: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ. هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ.
4 - ثم حضت السورة الكريمة المؤمنين على الثبات على إيمانهم، و على الإنفاق في سبيل اللّه، و وعدتهم على ذلك بأجزل الثواب.
قال- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ، وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ.
5 - ثم تتحدث السورة الكريمة بعد ذلك بأسلوبها البليغ المؤثر، عن حسن عاقبة المؤمنين، و سوء عاقبة المنافقين، فتحكى جانبا مما يدور بين الفريقين من محاورات فتقول:
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً، فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ، يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قالُوا: بَلى، وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَ تَرَبَّصْتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ، وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ، حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَ غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ.
6 - و بعد أن تنتقل السورة الكريمة إلى حث المؤمنين على الخشوع للّه، و على تذكر الموت، و على البذل في سبيل اللّه ... بعد كل ذلك تبين لهم مصير الحياة الدنيا، و تدعوهم إلى إيثار الآجلة على العاجلة، و الباقية على الفانية فتقول: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ، وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً، وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ، وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ، سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
7 - ثم تقرر السورة بعد ذلك أن كل شي ء بقضاء اللّه و قدره، و أنه- سبحانه- قد أرسل رسله، و أنزل عليهم كتبه، و أمرهم بنشر العدل بين الناس، كما أمرهم بإعداد القوة لإرهاب أعداء الحق، لأن الناس في كل زمان و مكان فيهم المهتدون، و فيهم الضالون، كما قال- تعالى-: فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.
8 - ثم ختم- سبحانه- السورة بهذا النداء الحكيم للمؤمنين فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ، وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 14، ص: 195
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير