تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل جماعة منهم في أمة تعيش عيشة انعزالية، أما الآن، وبعد أنْ أصبح لهم وطن قومي في فلسطين على حَدِّ زعمهم، فنراهم يميلون للبناء والتعمير والتشييد.

ونحن الآن ننتظر وَعْد الله سبحانه، ونعيش على أمل أن تنصلح أحوالنا، ونعود إلى ساحة ربنا، وعندها سينجز لنا ما وعدنا من دخول المسجد الأقصى، وتكون لنا الكرّة الأخيرة عليهم، سيتحقق لنا هذا عندما ندخل معهم معركة على أسس إسلامية وإيمانية، لا على عروبة وعصبية سياسية، لتعود لنا صِفَة العباد، ونكون أَهْلاً لِنُصْرة الله تعالى:

إذن: طالما أن الحق سبحانه قال: * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ .. * [الإسراء: 7]

فهو وَعْد آتٍ لا شَكَّ فيه، بدليل أن هذه العبارة جاءت بنصِّها في آخر السورة في قوله تعالى:* وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً * [الإسراء: 104]

والمتأمل لهذه الآية يجد بها بشارة بتحقُّق وَعْد الله، ويجد أن ما يحدث الآن من تجميع لليهود في أرض فلسطين آية مُُرادة لله تعالى.

ومعنى الآية أننا قُلْنا لبني إسرائيل من بعد موسى:

اسكنوا الأرض وإذا قال لك واحد: اسكُنْ فلا بُدَّ أن يُحدد لك مكاناً من الأرض تسكن فيه فيقول لك: اسكن بورسعيد .. اسكن القاهرة .. اسكن الأردن.

أما أن يقول لك: اسكن الأرض!! فمعنى هذا أن الله تعالى أراد لهم أنْ يظلُّوا مبعثرين في جميع الأنحاء، مُفرِّقين في كل البلاد، كما قال عنهم:

* وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً .. * [الأعراف: 168]

فتجدهم منعزلين عن الناس منبوذين بينهم، كثيراً ما تُثار بسببهم المشاكل، فيشكو الناس منهم ويقتلونهم، وقد قال تعالى:* وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىا يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ * [الأعراف: 167]

وهكذا سيظل اليهود خميرة عكننة ونكَدٍ بين سكان الأرض إلى يوم القيامة، وهذه الخميرة هي في نفس الوقت عنصر إثارة وإهاجة للإيمان والخير؛ لأن الإسلام لا يلتفت إليه أهله إلا حين يُهَاج الإسلام، فساعة أنْ يُهَاجَ تتحرك النزعة الإيمانية وتتنبّه في الناس. إذن: فوجود اليهود كعنصر إثارة له حكمة، وهي إثارة الحيوية الإيمانية في النفوس، فلو لم تُثَر الحيوية الإيمانية لَبهتَ الإسلام.

وهذه هي رسالة الكفر ورسالة الباطل، فلوجودهما حكمة؛ لأن الكفر الذي يشقي الناس به يُلفِت الناس إلى الإيمان، فلا يروْنَ راحة لهم إلا في الإيمان بالله، ولو لم يكُنْ الكفر الذي يؤذي الناس ويُقلق حياتهم ما التفتوا إلى الإيمان.

وكذلك الباطل في الكون بعض الناس ويُزعجهم، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه.

وبعد أن أسكنهم الله الأرض وبعثرهم فيها، أهاج قلوب أتباعهم من جنود الباطل، فأوحَوْا إليهم بفكرة الوطن القومي، وزيَّنُوا لهم أولى خطوات نهايتهم، فكان أن اختاروا لهم فلسطين ليتخذوا منها وطناً يتجمعون فيه من شتى البلاد.

وقد يرى البعض أن في قيام دولة إسرائيل وتجمّع اليهود بها نكاية في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا، فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم:* عِبَاداً لَّنَآ .. * [الإسراء: 5]

يلفتنا إلى أن هذه الضربة لا تكون وهم مُفرّقون مُبعْثرون في كل أنحاء العالم، فلن نحارب في العالم كله، ولن نرسل عليهم كتيبة إلى كل بلد لهم فيها حارة أو حي، فكيف لنا أن نتتبعهم وهم مبعثرون، في كل بلد شِرْذمة منهم؟

إذن: ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور وأيَّدتْها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهِّل علينا تتبعهم وتُمكّننا من القضاء عليهم؛ لذلك يقول تعالى:* فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً * [الإسراء: 104]

أي: أتينا بكم جميعاً، نضمُّ بعضكم إلى بعض، فهذه إذن بُشرى لنا معشر المسلمين بأن الكَرَّة ستعود لنا، وأن الغلبة ستكون في النهاية للإسلام والمسلمين، وليس بيننا وبين هذا الوعد إلا أن نعود إلى الله، ونتجه إليه كما قال سبحانه:* فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ * [الأنعام: 43]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير