تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* جَعَلْنَا * فِعْل يفيد التحويل، كأن تقول: جعلت العجين خبزاً، وجعلت القطن ثوباً، أي: صيَّرْتُه وحوَّلْتُه. فماذا كانت جهنم أولاً فيُحوّلها الحق سبحانه حصيراً؟

قوله تعالى: * جَعَلْنَا * في هذه الآية لا تفيد التحويل، إنما هي بمعنى خَلَقْنا، أي: خلقناها هكذا، كما نقول: سبحان الذي جعل اللبن أبيض، فاللبن لم يكن له لون آخر فحوَّله الله تعالى إلى البياض، بل خلقه هكذا بداية.

ومعنى: * حَصِيراً .. * [الإسراء: 8]

الحصير فراش معروف يُصنع من القَشِّ أو من نبات يُسمى السَّمُر، والآن يصنعونه من خيوط البلاستيك، وسُمِّي حصيراً، لأن كلمة حصير مأخوذة من الحَصْر، وهو التضييق في المكان للمكين، وفي صناعة الحصير يضمُّون الأعواد بعضها إلى بعض إلى أنْ تتماسكَ، ولا توجد مسافة بين العود والآخر.

لكن لماذا نفرش الحصير؟ نفرش الحصير؛ لأنه يحبس عَنّا القذَر والأوساخ، فلا تصيب ثيابنا. إذن: الحصر معناه المنع والحبس والتضييق.

والمتتبع لمادة (حصر) في القرآن الكريم يجدها بهذه المعاني، يقول تعالى:* فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ .. * [التوبة: 5]

أي: ضَيِّقوا عليهم.

وقال تعالى في فريضة الحج:* فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. * [البقرة: 196] أي: حُبِسْتم ومَنعْتم من أداء الفريضة.

إذن: فقوله تعالى: * وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً * [الإسراء: 8]

أي: تحبسهم فيها وتحصرهم، وتمنعهم الخروج منها، فهي لهم سجن لا يستطيعون الفرار منه؛ لأنها تحيط بهم من كل ناحية، كما قال تعالى:* إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا .. * [الكهف: 29]

فلا يستطيعون الخروج، فإنْ حاولوا الخروج رُدُّوا إليها، كما قال تعالى:* كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا .. * [السجدة: 20]

وفي قوله تعالى: * وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً * [الإسراء: 8]

إشارة إلى أنهم كانوا إذا أجرموا في الدنيا يحتمُون في أنصارهم وأتباعهم من الأقوياء، ويدخلون في حضانة أهل الباطل، أما في الآخرة فلن يجدوا ناصراً أو مدافعاً.

يقول تعالى:* مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ *

[الصافات: 25 - 26]

وبعد أن تكلّم الحق سبحانه عن الإسراء بالرسول الخاتم الرحمة، وجَعْله آيةً يمكن إقامة الدليل عليها، حيث خرق له الناموس في أمور يعلمها قومه، فإذا جاءت آية المعراج وخرَق له الناموس فيها لا يعلمه القوم كان أَدْعى إلى تصديقه.

ثم أوضح الحق سبحانه أن عبودية محمد صلى الله عليه وسلم لربه هي التي أعطتْه هذه المنزلة، وكذلك كان نوح ـ عليه السلام ـ عبداً شكوراً، فهناك فَرْق بين عبودية الخَلْق للخالق، وعبودية الخَلْق للخَلْق؛ لأن العبودية للخَلْق مذمومة، حيث يأخذ السيد خيْر عبده، أما العبودية لله فالعبد يأخذ خَيْر سيده.

ثم تحدَّث الحق سبحانه عن بني إسرائيل، وما وقعوا فيه من إفساد في الأرض، فأعطانا بذلك نماذج للأعمال لمن أحسن ولمن أساء، وكُلٌّ له عمله دون ظُلْم أو جَوْر.

لذلك ينقلنا السياق القرآني إلى بيان المنهج الإلهي المنزّل من السماء ليوضح عبودية الإنسان لربه، وكيف يكون عبداً مُخْلِصاً لله تعالى، فيقول الحق سبحانه: * إِنَّ هَاذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ .. *.

مرفق ملف وورد من تفسير الشعراوي لسورة الإسراء من الكتاب الأليكتروني "تفسير الشعراوي" سبق وأن تم رفعه.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير