والجواب منع تعلق الظنيات بالعامي للاتفاق على أن الفهم شرط التكليف فهو شرط للوجوب وتحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب فإذن لا يتعلق بها إلا ما فهمه وليس ذلك إلا ضروريات الشرع والعمل بالضروري ليس بتقليد لأن الضرورة أعظم الأدلة ولهذا وقع الاتفاق على أن العامي يقر ما فعله ولا ينكر عليه ما لم يخرق الإجماع انتهى
ولا يخفى عليك أن هذا الكلام ساقط فاسد فإن قوله للاتفاق على أن الفهم شرط التكليف إن أراد فهم التركيب الذي وقع الخطاب به من الشارع فهذا يفهمه كل عاقل ولا يتعذر فهمه إلا على المجنون أو صبي صغير وهذا المعنى هو الذي أراده أهل العلم بقولهم الفهم شرط التكليف
وإن أراد بالفهم فهم النفع المرتب على التكليف فهذا لم يقل به أحد قط ولو فرضنا أنه قال به قائل لكان ذلك مستلزما لعدم تكليف كل كافر وجاحد وزنديق واللازم باطل بإجماع المسلمين أجمعين فالملزوم مثله
وإن أراد غير هذين المعنيين فلا ندري ما هو ولم يقل به أحد بالجملة فهذه فاقرة عظمى ومقالة عمياء صماء بكماء فليكن هذا منك على ذكر فإنه قد كرره في مواضع من كتابه
ص9
وما ذكره الجلال رحمه الله في آخر بحثه هذا جعله كالنتيجة له من كون العامي إنما كلف بالضروريات فهو من أغرب ما يقرع الأسماع لأنه خرق للإجماع وباطل لا يقع في مثله بين اهل العلم نزاع وكل من له نصيب من علم وحظ من فهم يعلم أن هذه التكاليف الثابتة في الكتاب والسنة لازمة لكل بالغ عاقل لا يخرج عن ذلك منهم أحد كائنا من كان إلا من خصه الدليل والضروريات منها هي بالنسبة إلى جميعها أقل قليل وأندر نادر والواقعون في معاصي الله المتعدون لحدوده الهاتكون لمحارمه من العامة لو علموا بهذا البحث من هذا المحقق لقرت به أعينهم واطمأنت إليه أنفسهم وأقاموا به الحجة على من أراد إقامة حدود الله عليهم وطلب منهم القيام بشرائعه فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه فإن غالب الواجبات الشرعية والمحرمات الدينية ثابتة بالعمومات وهي ظنية الدلالة وما كان ثابتا بما هو ظني المتن أو ظن الدلالة فهو ظني لا قطعي فضلا عن أن يكون ضروريا
وإذا كانت العامة في راحة من هذه التكاليف وهم السواد الأعظم فإن الخاصة بالنسبة إليهم أقل قليل قد يوجد واحد منهم في الألف والألفين والثلاثة وقد لا يوجد فهذا هو تعطيل الشريعة
الوجه الثالث:
أن قوله الفرعية يخرج الأصلية أي مسائل أصول الدين وأصول الفقه وإلى هذا ذهب الجمهور لا سيما في أصول الدين فقد حكي الأستاذ أبو إسحق في شرح الترتيب إن المنع من التقليد فيها هو إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف
قال أبو الحسين بن القطان لا نعلم خلافا في امتناع التقليد في التوحيد
ص10
وحكاه ابن السمعاني عن جميع المتكلمين وطائفة من الفقهاء
وقال إمام الحرمين في الشامل لم يقل بالتقليد في الأصول إلا الحنابلة
وقال الإسفراييني لم يخالف فيه إلا أهل الظاهر
ولم يحك ابن الحاجب الخلاف في ذلك إلا عن العنبرى وحكاه في المحصول عن كثير من الفقهاء واستدل الجمهور على منع التقليد في ذلك بأن الأمة أجمعت على وجوب معرفة الله سبحانه وأنها لا تحصل بالتقليد لأن المقلد ليس معه إلا الأخذ بقول من يقلده ولا يدرى أهو صواب أم خطأ
واعلم أن ذكر الفرعية يغنى عن ذكر العملية وما قيل من أن قيد العملية لإخراج الفرعية العلمية كمسألة الشفاعة وفسق من خالف الإجماع فذلك غير جيد لأن هاتين المسألتين ليستا بفرعيتين فقد خرجتا من قيد الفرعية
ص11
ودعوى أنهما فرعيتان علميتان باطلة وإن زعم ذلك بعض شراح الأزهار والأثمار وارتضاه الأمير في حاشيته على ضوء النهار بل هما أصليتان من مسائل أصول الدين ولا خلاف في ذلك بين علماء هذين العلمين
وهذه القيود مبنية على الاصطلاح والاعتبار بما وقع عليه التواضع بين أهله
والمراد بالفرعية ما كان موضعها الفعل أو الوصف فلا يرد ما أورده الجلال على قيد العملية وكان الأولى له أن يذكر ما ذكرناه من كونه مستدركا وهكذا قوله الظنية والقطعية فإنه قد أغنى عن ذلك قوله الفرعية لأن إطلاق الفرعية بتناول قطعيها وظنيها
¥