أقول استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة أخرجه أحمد وأبوا داود والترمذي والدارمي والحاكم من حديث أبي واقد مرفوعا وأخرجه ابن ماجه والبزار والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر وأخرجه الطبراني من طرق أخرى عن ابن عمر وفيها عاصم بن عمر وهو ضعيف وأخرجه ابن ماجه والطبراني وابن عدي من حديث تميم الداري وإسناده ضعيف وأخرجه الحاكم عن أبي سعيد قال في البدر المنير هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الأحكام وهو مروي من طرق أربع. انتهى
أقول وبمجموعها ينتهض الحديث للاحتجاج ولكن غاية ما فيه أن ذلك البائن من الحي هو ميتة أي محرم اكله وأما أنه نجس فليس في الحديث ما يدل على ذلك وسيأتي الحديث على نجاسة الميتة
ص40
واحترز بقوله غالبا عما ابين من السمك والجراد لحديث أحل لكم ميتتان السمك والجراد وإذا حلت ميتتهما بجميع أجزائها حل ميتة بعضهما
قوله والميتة
اقول استدلوا على ذلك بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة ويجاب عنه بأن التحريم لا يستلزم النجاسة كما تقدم واستدلوا أيضا بقوله قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس وقد قدمنا أن سياق الآية والمقصود منها هو تحريم الأكل وأن الرجس هنا ليس المراد به النجس بل الخبيث الذي لا يحل أكله واستدلوا ايضا بحديث عبد الله بن عكيم عند أحمد وأهل السنن والبخاري في التاريخ والدارقطني والبيهقي وابن حبان مرفوعا لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وهو حديث حسن ولم يعل بما يوجب سقوط الاحتجاج به وله شاهد من حديث جابر قال الشيخ الموفق إسناده حسن وشاهد آخر من حديث ابن عمر وفي إسناده عدي بن الفضل وهو ضعيف
والمنع من الانتفاع بشيء من إهاب الميتة وعصبها يدل على نجاستها ولا ينافي ذلك تخصيص احاديث طهارة الإهاب بالدبغ فإنه يبني العام على الخاص وهي أحاديث صحيحة وهي تقوي نجاسة مطلق الميتة لأن قوله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر يفيد أنه كان نجسا
ص41
وأما المناقشة من الجلال وغيره بأن نجس العين لا يطهر بالغسل ولا بالدباغ وإنما يطهر بذلك المتنجس والمدعي أن الميتة نجس عين لا متنجسة فهي مناقشة فروعية لم تستند إلا إلى ما قد تقرر في أذهاب بعض المتفقهة من ذلك
وأي مانع من ذهاب النجاسة العينية بالغسل والدبغ وقد قال صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة هلا انتفعتم بإهابها فقالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال أليس في القرظ ما يطهرها أو قال يطهرها الماء والقرظ الحديث
ومما يؤيد نجاسة الميتة قوله صلى الله عليه وسلم المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا هو حديث صحيح فإنه يفيد أن ميتة غير المسلم ينجس
قوله إلا السمك وما لا دم له
أقول أما السمك فلحديث هو الطهور ماؤه والحل ميتته وهو حديث صالح للاحتجاج به وله طرق كثيرة قد صحح الحفاظ بعضها وقد استوفينا الكلام عليه في شرحنا للمنتقي ولو كانت ميتة السمك نجسة لكانت حراما لا حلالا
ومثل هذا الحديث حديث أحل لكم ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال وله طرق في أسانيدها مقال وقد روى موقوفا على ابن عمر بإسناد صحيح
وبالجملة فلا خلاف في أن ميتة السمك حلال طاهرة
وأما ما لا دم له فقد استدلوا على ذلك بحديث إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وهو في صحيح البخاري وغيره من حديث ابي هريرة وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث ابي سعيد وأخرجه الدرامي من حديث أنس وأخرجه أيضا البزاز والطبراني في الأوسط من حديثه
ص42
ولكن لا يخفاك أنه لا ملازمة بين جواز شرب ما وقع فيه الذباب وبين طهارته فقد يكون ذلك لعدم الاستقذار وقد يكون لتعذر الاحتراز من وقوعه في الأشربة لكثرة وجوده فالظاهر أن له حكم سائر الحيوانات في ميتته ولا ينافي ذلك تخصيصه بالتخفيف في شرب ما وقع فيه فإن ذلك تخصيص لما ورد في عموم الميتة على تقدير ورود أنه لا يحل شرب ما وقعت فيه الميتة على العموم ولكنه لم يرد ذلك إلا خصوصا لا عموما
قوله وما لا تحله الحياة
¥