وشيخ الإسلام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن يتيمة المتوفى سنة ثمان وعشرين وسبع مئة = معروف بجهاده: بلسانه، وقلمه، ونفسه؛ فقد شارك في الجهاد ضد التتار والمغول، وشارك بجهاده في الذب عن العقيدة، وتقرير عقيدة السلف، ودحض شبه المشبهين، كما شارك بقلمه السيال في إثراء المكتبة الإسلامية بما صفا، وطاب من منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة، والفقه، والسلوك، ومن ذلك: هذه القصيدة.
ثم بعد أن نادى سائله ليبين له عقيدته، بيَّن أن مَن رُزِقَ الفقه في الدين = هو االذي يهدى – يهديه الله إلى عقيدة السلف الصالح، ويسأل عنها؛ ليعض عليها بالنواجذ، وليسير عليها، وليلزمها؛ لأنه طريق الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} النساء: 69 {ومن شذ عن هذا المنهج فهو متبع لغير سبيل المؤمنين، قال الله – عز وجل - وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} النساء:115 {.
ولذلك:
فإن كل خير في اتباع من سلف /// وكل شر في اتباع من خلف
((المتن))
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه /// لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
((الشرح))
يبين لمخاطَبه بأن كلامه الذي سيقوله = هو الكلام الحق الذي لا مرية فيه، وأنه ثابت عليه ثبوت الجبال الراسيات، وهذا هو الذي يجب أن يكون عليه كل مؤمن، بأن يتمسك بالعقيدة الصافية المستمدة من كتاب الله – جل وعلا –، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - وفق منهج السلف الصالح؛ فهو يقول: أيها الأخ المسلم الذي تبحث عن الحق عليك أن تسمع ما أقوله، والذي أخذته من كتاب الله – جل وعلا - وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والذي لا يثنيني عنه أي ثانٍ، ولا يمنعني من سلوكه – طالما توكلت على الله - جل وعلا -، واعتمدت عليه، واستعنت به وحده؛ فإنني أسير على هذا المنهج الحق الذي عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه، وهكذا ينبغي – بل يجب – أن يكون هذا شأن كل مسلم، يجتهد في اتباع منهج السلف، بعد أن يتعلم، ويتفقه في دين الله؛ لأن الفقه في دين الله = يحمي الله به المؤمن من الإفراط والتفريط؛ لأنه المنهج الوسط الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام: 90 {.
فعليك – يا عبدَ اللهِ! – أن تلزم هذا المنهج، وأن تسير عليه، وسنبين طريق السير عليه، كيف يكون، وما أسبابه - بإذن الله – تبارك وتعالى –.
وأن لا يثنيه عنه أيُّ أمر إلى أن يلقى الله – تبارك وتعالى – وهو على ذلك؛ وذلك بالاعتماد على الله، والتوكل عليه، وسؤاله الثبات على الحق؛ ولذلك أمرنا أن نسأل الله الثبات في السجود (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينتك) وقال – صلى الله عليه وسلم – أيضا -: (إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابيع الرحمان يقلبها كيفما شاء).
فعلى المسلم أن يجتهد في السير على منهج السلف الصالح، بعيدا عن الإفراط والتفريط؛ لأن هذا هو الطريق السوي الذي يقرب إلى الله – عز وجل -، وهو طريق النجاة، وهو طريق الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، والجماعة المؤمنة التي تسعى أن تكون ثابتة على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم -.
فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم عليها.
((المتن))
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلِّهُمْ لي مَذْهَبٌ /// وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
((الشرح))
من المعلوم في الشرع أن أحد أنواع التوسل المشروعة هي التوسل بالعمل الصالح؛ لأن التوسل – كما تعلمون – رحمني الله وإياكم – على ثلاثة أقسام:
الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته؛ كقول النبي – صلى الله عليه وسلم – (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
الثاني: التوسل إلى الله بالعمل الصالح كقول الله – سبحانه وتعالى – حكاية عن الحورايين رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} آل عمران: 53 {.
¥