اللَّهُمَّ أنظِمْنَا في سِلْكِ عِبَادكَ المخلصينَ ووفقْنَا للقِيَامِ بأَرْكانِ دِينكِ القَويمِ وَنَجِّنَا مِن لَفَحَاتِ الجَحِيمِ وأَسْكِنَّا في جَناتِ النَّعيم، واغفرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
(فَصْلٌ): وَأَمَّا الأَدِلَّةُ عَلَى صِدْقِ الرُسُلِ فَكَثِيرة، وأَعْظَمُهَا شَهَادَةُ اللهِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَادِقون. قال الله تعالى: ? وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ?، وقال عز شأنه: ? هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ?.
وقال عز من قائل عن إسماعيل عليه السلام: ? إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ?، وقال عن إبراهيم: ? إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً ?، وقال: ? سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ?.
فسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب إلى غير ذلك من الأدلة، فهم أصدق الخلق على الإطلاق، عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأيدهم بالدلائل الدالة على صدقهم في دعواهم الرسالة.
فمن أعلام نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن العظيم الذي أعجز الورى كلهم، ومثل انشقاق القمر، وحراسة السماء بالشهب ومعراجه إلى السماء، إلى سدرة المنتهى، إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام، وكفاية الله أعداءه وعصمته من الناس، وإجابة دعائه، وإعلامه بالمغيبات الماضية، والمستقبلة.
فالقرآن جاء به ذكر عن آدم ونشأته وما وسوس به إليه إبليس وما وقع له من الهبوط إلى الأرض بعد أن كان في الجنة وحدثنا عن نوح عليه السلام وما لقيه من قومه من أذى وسخرية.
وما دعا الله به وما أرشده الله إليه من صنع الفلك وركوبه وإنجائه وأصحاب السفينة ودعوته لابنه وعصيانه له، وانهمار السماء، وتفجر الأرض عيونًا، وغرق الكافرين، ونجاة المؤمنين.
وأخبر القرآن عن موسى عليه السلام، وما تم عند ولادته، وما وقع له في مصر، وما حدث له في مدين، وما رآه في جبل طور، وما كف به من أعباء الرسالة، وما دار بينه وبين فرعون من حوار، وما جرى من السحرة، وما انتهى إليه أمر فرعون وملئه وموسى وقومه.
وأخبر القرآن الكريم عن عيسى وأمه عليهما السلام، وما وقع لهما من
الخوارق، وما صنعه لهما بنوا إسرائيل من مكائد، وأخبره عن غيرهم من الأنبياء. قال الله تعالى: ? وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ? الآيات.
وقال تعالى: ? تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ ? الآية. وقال: ? ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ?.
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلمها عن مشاهدة ولكن أعلمه إياها الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وقال تعالى: ? فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ?.
وأخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمور غيبية عن القرآن. قال الله تعالى: ? وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ? الآية، وتحقق الوعد وقال: ? لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ? الآية. وقال: ? وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ?، وقوله: ? سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ? الآية، فكان ما أخبر به على أتم الوجوه.
ومن هذا الباب إخباره عن مكنون الضمائر فيما أتى به من القرآن فقال: ? إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ? وقال الله تعالى: ? وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ? إلى غير ذلك من الآيات.
¥