وأخْبَرَ أَنَّهُ غَفَّارٌ لِذُنُوبِ التَّائِبينَ، فقال عَزَّ شأَنُه: ? وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ?.
وقال تعالى: ? وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? وأخبرَ سبحانَه أنه يُحِبُ التوابين، قال تعالى: ? إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ?.
وقال النَبي ?: «يا أيُها النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ واستَغْفِرُوهُ فإني أَتُوبُ في اليوم مائةَ مَرة». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وقال ?: «والله إني لأستغفرُ اللهِ وأَتُوبُ إليهِ في اليومِ أكثرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّة». رواه البخاري.
شعرًا:
لَيْسَ الظَرِيفُ بِكَامِلٍ في ظَرْفِهِ
(حَتَّى يَكُونَ عَن الحَرَام عَفِيفًا
(فإذا تَوَرَّعَ عَنْ مَحَارِمِ رَبِهِ
(فَهُنَاكَ يُدْعَى في الأنامِ ظَرِيفًا
(وقال ?: «اللهُ أَشَدُ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِليهِ مِنْ أَحدِكُم كانَ على رَاحِلتِه بأرض فلاةٍ فانفَلَتَتْ منه وَعَليهَا طَعامُه وَشَرَابُه فأَيس منها، فأتَى شَجرةً فاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا وَقَدْ أَيسَ مِن رَاحلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُو كَذَلِكَ
إِذْ هُوَ بِهَا قائِمةً عندهُ فأَخَذَ بِخِطامِهَا، ثُمَّ قَال مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أنْتَ عَبْدِي وأنا رَبُكَ، أخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ». الحديث رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وقال ?: «إِنَّ اللهَ تَعَالى يَبْسُطُ يَدَهِ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسيءُ النهارِ ويَبْسُطُ يَدَهَ بالنهار ليَتُوبَ مُسِيءُ الليلُ حتَّى تَطْلُعَ الشمسُ مِن مَغُرِبِهَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
والأحاديثُ في هذا كَثِيرةٌ، والإجماعُ مُنْعَقِدٌ عَلى وُجُوبِ التَّوبَةِ لأَمْرِ اللهِ ورسولِهِ بها، ولأن الذنوبَ مُهْلِكاتٌ مُبْعداتٌ عن اللهِ فَيَجِبُ الهَرَبُ مِنْها على الفَورِ ولْيَحْذَرْ الإِنسانُ كُلَّ الحذرِ مِن الذنوبِ الكبَائِر والصَّغائِر. وُوُجُوبُ التوبةِ مِن الكبائر أَهَمُّ وآكدُ، والإصْرارُ على الصغيرةِ أيضًا كبيرةٌ، فلا صَغِيرةَ مع الإِصْرارِ ولا كَبيرةَ مَعَ التوبةِ والاسْتِغْفارِ. وَتَواتُرُ الصَّغَائِرِ عظيمُ التأْثيرِ في تسْويدِ القلب وهوَ كَتَواتُر قَطَراتِ الماءِ على الحَجَر، فإِنه يُحْدِثُ فيهِ حُفْرَةً لا مَحَالةَ مَعَ لِينَ الماءِ وَصَلابةِ الحجرِ فَعَلَى العاقِل أن يَسْتَرصِدَ قَلبَهُ باسْتِمْرَارٍ ويُراقِبَ حركاتِهِ وَيُسجّلَ تَصَّرُفَاتِهِ ولا يَتَسَاهلَ ولا يقولَ إنها مِن التوافِهِ الصِغارِ وَصَدَقَ رسولُ اللهِ ? حيثُ يقولُ: «إِياكُمْ وَمُحَقّراتِ الذُنُوب فإِنهنَّ يجْتمعْنَ عَلَى الرَّجُل يُهْلكنَهْ».
فوائد: انبَسَطَ آدَمُ في أكْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فيهَا فَكَانَتْ سَبَبَ نُزُولِهِ مِنَ الجَنِّة وَنوح كَلِمَة وَاحِدَةٌ عَلَى غَيْرَ وجْههَا نُوْدِي ? فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ ? - الآية، وخليل الرَّحمنُ لَم يَكُن منه إلا هَفْوةٌ وَاحِدَةٌ فكَم تضرع واسْتَغْفَر، ثم يُونُسَ غَضْبَةٌ واحِدة فَسُجِنَ في بَطْن الحُوتْ. أ. هـ.
شِعْرًا:
ولا تَحِتقر كيدَ الضعِيف فربما
(تِموت الأفاعي من سُمُوم العَقَارِبِ
(وقد هدَّ قَدْمًا عَرشَ بِالْقِيس هُدهُدٌ
(وَخرب حَفر الفأر سَدَّ مآربِ
(آخر:
لا تَحْقِرَنَّ عَدُوًا لأنَ جَانِبُهُ
(وَلَوْ يَكُونُ قَلِيلَ الْبَطْشِ والْجَلَدِ
(فَلِذُبَابَةِ في الْجُرْحِ الْمَدِيدِ يَدٌ
(تَنَالَ مَا قَصَّرَتْ عنه يَدُ الأسَدِ
(
آخر: ولا تَحْقِرَنَّ عَدوًا رَمَا
(ك وإنْ كان في سَاعِدَيْهِ قِصَرْ
(فَإنَّ السُّيُوفَ تَحُزُّ الرِّقَا
(بَ وَتَعْجَزُ عَمَّا تَنَالُ الإِبَرْ
(
آخر: لا تَهَاوَنْ بِصَغِيرٍ من عَدَا
(فَقَدِيمًا كَسَرَ الرُّمْحَ الْقَلَمُ
(
آخر لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرًا في مُخَاصَمَةٍ
(إِنَّ الْبَعُوضَةَ تُدْمِي مُقْلَةَ الأَسَدِ
(وكما أنَّ خيرَ الأعْمالِ الصالحةِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ، وأيضًا الكبائرُ قَلَّما تَقَعُ مِن غِير سَوابِقَ وَمُقَدِّماتٍ من الصَغَائِر، فَمَثَلاً الزنا - والعِياذُ باللهِ - قَلّمَا يَقَعُ فَجَأَةً بل تَتَقَدَّمُ عليهِ مُرَاوَدَةٌ أو قُبْلَةٌ أو لمسٍ.
شعرًا أَأَحُورُ عَنْ قََصْدِي وَقَد بَرَحَ الخَفا
(وَوَقََفْتُ مِنْ عُمْرِي القَصِيرِ عَلى شَفا
(وَأَرَى شُؤونَ العَينِ تُمسِكُ ماءَهَا
(وَلَقَبلَ ما حَكَتِ السَحابَ الوُكَّفا
(وَأَخالُ ذاكَ لِعِبرَةٍ عَرَضَت لَها
(مِن قَسوَةٍ في القَلبِ أَشبَهتِ الصَفا
(وَلَقَلَّ لي طولُ البُكاءِ لِهَفوَتي
(فَلَرُبَّما شَفَعَ البُكاءُ لِمَن هَفا
(إِنَّ المَعاصِيَ لا تُقيمُ بِمَنزِلٍ
(إِلا لِتَجعَلَ مِنهُ قاعاً صَفصَفا
(وَلَو أَنَّني داوَيتُ مَعطَبَ دائِها
(بِمَراهِمِ التَقوى لَوافَقتِ الشِفا
(وَلَعِفتُ مَورِدَها المَشوبَ بِرَنقِها
(وَغَسَلتُ رَينَ القَلبِ في عَينِ الصَفا
(وَهَزَمتُ جَحفَلَ غَيِّها بِإِنابَةٍ
(وَسَلَلتُ مِن نَدَمٍ عَلَيها مُرهَفا
(وَهَجَرتُ دُنيا لَم تَزَل غَرّارَةً
(بِمُؤَمِّليها المُمحِضينَ لَها الوَفا
(سَحَقَتهُمُ وَدِيارَهُم سَحقَ الرَحا
(فَعَلَيهُمُ وَعَلى دِيارِهُم العَفا
(وَلَقَد يُخافُ عَلَيهِمُ مِن رَبِّهِم
(يَومَ الجَزاءِ النارَ إِلا إِن عَفا
(إِنَّ الجَوادَ إِذا تَطَلَّبَ غايَةً
(بَلَغَ المَدى مِنها وَبَذَّ المُقرِفا
(شَتّانَ بَينَ مُشَمِّرٍ لِمَعادِهِ
(أَبَداً وَآخَرَ لا يَزالُ مُسَوِّفا
(إِنّي دَعَوتُكَ مُلحِفاً لِتُجيرَني
(مِمّا أَخافُ فَلا تَرُدَّ المُلحِفا
¥