فإذا حسب الباقي كان أكثره في الشهوات والمطاعِم والمَكاسِبِ فإذا خَلَصَ ما لِلآخِرَةِ وَجَدَ فيه مِن الرياء والغَفْلَةِ كَثِيرًا، فبماذا تَشْتَري الحياةَ الأبديةَ وإنما الثمنُ هذهِ الساعات؟
فانتبه يا بُنَيَّ لنفسْك، واندم على ما مضى من تفريطك واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة. واسْقِ غُصْنَكَ، مادامتْ فيه رُطوبة، واذكر سَاعَتَكَ التي ضاعَتْ فكَفَى بها عِظَةٍ.
ذَهَبتْ لَذةُ الكَسَلِ فيها وفاتَتْ مراتبُ الفضائل.
وقد كان السلف الصالح رحمهم الله يُحِبُّونَ جَمْعَ كُلِ فَضيلة ويبكون على فواتِ واحدةٍ منها.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: دَخَلنَا على عابد مَريض، وهو يَنْظُر إلى رجليه ويبكي، فقلنا: مَالَكَ تَبْكي؟ فقال: ما اَغَبَرَّتا في سبيل الله. وَبَكىَ آخرُ، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: عليّ يوم مضى ما صمتُهُ وعلي ليلةَ ذَهبتْ ما قمتها.
واعلم يا بُني أن الأيام تُبْسِطُ ساعات، والساعات تبسط أَنفَاسًا، وَكُلُ نَفَسٍ خِزَانَةٌ، فاحْذَرْ أَن يَذهبَ نَفَسٌ بغيرِ شَيء، فَتَرَى في القيامة خِزَانَةٌ فَاِرَغةً فَتَنْدَمَ وَلا ينفعكَ الندم.
آخر وَالوَقْتَ أَنْفَسُ ما عُنِيْتَ بِحْفظِهِ
(وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَليْكَ يضِيْعُ
(آخر:
يَا جَامِعَ المَالِ الكثيرِ لِغَيرِهِ
(إِنَّ الصغِّيرَ مِن الذُّنُوبِ كَبِيرُ
(هَل في يَدَيْكَ عَلَى الحَوَادِثِ قُوَّةٌ
(أَمِ هَلِ عَليَكْ َمِنَ المنُونِ خَفَيرُ
(أَمْ مَا تَقُولُ إِذَا ضَعَنْتَ إِلى الليلِي
(وإِذَا خلا بك مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ
(آخر:
مَشَيبُ النَّوَاصِي لِلْمَنُونِ رَسُولُ
(يُخَبِّرُنَا أَنَّ الثَّواءَ قَلِيلُ
(فَصيحُ إِذا نَادىَ وإَِنْ كَانَ صَامِتًا
(مُثيرُ المعَانِي لِلنُّفوسِ عَذُولُ
(فُوا عَجَبًا مِن مُوقِنِ بِفَنَائِهِ
(وآمَالُه تَنْمُوا ولَيسَ يَحُولُ
(
أَمِن بَعْدِما بعد جَاوَزْتَ سَبْعين حَجَّةً
(وقد آنَ مِنِّي لِلقُبورِ رَحِيلُ
(أُئَمِلُ آمَالاً وأَرْغَبُ في الغِنَى
(بِدارٍ غنَاهَا يَنْقَضِي وَيزُولُ
(وإِنَّ إمْرًا دُنْيَاهُ أَكْبَرُ هَمهِ
(وَيُؤْثِرُهَا حُبًا لَهَا لَجَهُولُ
(فَكَمْ عَالِمٍ والجَهْلُ أَوْلَى بِعِلْمِهِ
(لَهُ مَقْوَلٌ عِنْدَ الخِطَابَ طَوِِيلُ
(وَكَمْ مِنْ قَصِيرٍ في عُلُوم كَثِيرَةٍ
(لَهُ مَخْبَرٌ لِلصَّالِحَاتِ وَصُولُ
(فَمَا العِلْمُ إلا خَشْيَةُ الله والتُقَى
(فكلُ تِقِي في العُيونِ جَلَيلُ
(فيا رَبِ قَدْ عَلَّمْتَنِي سُبُلَ الهُدَى
(فأصْبَحْتُ لا يَخْفَى عَلّي سَبِيلُ
(ويَا رَبَّ هَبْ لي مِنْكَ عَزمًا على التُقى
(فَأَنْتَ الذِي مَا لي سِوَاهُ يَنِيلُ
(آخر:
المرءُ يَجْمعُ والدُّنيا مُفرِّقَةٌ
(والعُمْرُ يَذْهَبُ والأَيَّامُ تُخْتَلِسُ
(ونَحْنُ نَخْبطُ في ظَلْمَاءَ لَيسَ بها
(بَدْرٌ يُضِيءُ ولا نَجْمٌ ولا قَبَسُ
(فَكَمْ نُرِتِّقُ خَرْقًا لَيسَ مُرتَتِقًا
(فِيها ونَحْرُسُ شَيئًا لَيس يَنْحَرسُ
(وكَمْ نَذِلُّ وفِينَا كلُّ ذِي أَنَفٍ
(وَنَسْتَكِينُ وفِينَا العزُّ والشَّوَسُ
(وكيفَ يَرْضَى لَبِيبٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ
(ثُوْبٌ نَقِيٌ وعِرْضٌ دُونَه دَنِسُ
(
اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا القيامَ بحقِك، وباركْ لنا في الحلالِ مِنْ رِزقِكَ، ولا تفضحنا بين خلقك، يا خيرَ مَنْ دعاه داعٍ وأفضلَ مَنْ رجاه راج يا قاضِيَ الحاجات ويا مجيبَ الدعواتِ هَبْ لنا ما سألناه وحَقِّقْ رجاءَنا فيما تمنيناه وأمّلْناه يا مَنْ يملكُ حوائجِ السائلينَ ويعلمُ ما في ضَمائر الصامتين، أذنا بِردَ عفوك، وحلاوة مَغْفِرَتِك، يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبِنَا واجْعَلِ الإيمانَ لَنَا سِراجًا ولا تَجْعَلَهُ لَنَا اسْتِدْرَاجًا واجْعَلْهُ لَنَا سُلَّمًا إلى جَنَّتِكْ ولا تَجْعلهُ لنا مَكْرًا مِنْ مَشيئَتِكْ إِنَّك أنْتَ الحليمُ الغفورُ الشَّكُورُ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الفصل الرابع
¥